أفلام وثائقيةسينما

«إعادة تدمير» لسيمون الهبر: إعادة إحياء لنا، ولمدينتنا

يطرح الفيلم الوثائقي، «إعادة تدمير» (40.د) للمخرج اللبناني سيمون الهبر، أسئلة ملّحة حول الواقع الراهن الذي تعيشه مدينة بيروت، من دمار، وهدم، وعبث، وموت، والتي تبدو امتداداً لمراحل خلّفها التاريخ. «هل سنعيد التفكير بسياسة إعادة إعمار بيروت؟»، إشكالية يضعها الفيلم ضمن جملة موضوعات متفرعة. ففي كلّ مرّة تقوم شركة «سوليدير» بإعادة إعمار بيروت، تعيد فعليّاً «تدمير» الطابع الأصيل للمدينة، وتطمس الوجه الحقيقي، في قلب الدمار.

يحاكي «إعادة تدمير» سردية التواطئ بين شركات الإعمار والسلطة الحاكمة، اللتان تعملان لمصلحة بعضهما البعض. يتواطئان، يخططان، ويدمران. إنها أفعال باتت مكشوفة أمام العلن، بفعل الأساليب والتكتيكات المهترئة التي تنفدها تلك الشركات، من خلال إجبار الممتلكين بالتخلّي عن عقاراتهم وأحيائهم وبيوتهم، ويستبدلوا الطابع الأصيل بأحياء، ومراكز تجاريّة، وبيوت فخمة، ضمن مساحة رأسمالية متوحشة.

شهادات صوتية، عصية على التدمير:

جميع أساليب «إعادة التدمير»، يطرحها الهبر في فيلمه الوثائقي، من خلال شهادات صوتيّة، لأشخاص واكبوا عملية الهدم ورفع الأنقاض وذبح الذاكرة، التي افتعلها «المطورون العقاريون». أشخاص واكبو المتغيّرات، التي طرأت على أحيائهم، وحتّى منازلهم التّي ترعرعوا بها، وأصبحت اليوم في ومضات الذاكرة. يقول سيمون الهبر، عن سبب إستعانته بصوت شهود العيان دون صورتهم، لأن الشهادات غير مشخصنة بوجه أحد، فهي شهادات تعني الكلّ. وكأن التاريخ والمصير مشترك بين الجميع، ولا يخص الشاهد على إعادة التدمير فحسب، وإنما هو طمس لذاكرة الجميع، دون استثناء.

إلى جانب الشهادات الصوتية التي أثقلت محتوى الفيلم، إستعان الكاتب بنصوص مكتوبة من قبل. «الحدث يغادر ويزول، ولكنه لا يغادر الصورة، ولا الصورة تغادره»، يتم ترديد العبارة خلال الفيلم، مترافقة مع صورة لبيروت بالأسود والأبيض، تعكس مراحل التدمير الممنهج للمدينة، ثم إعادة إعمارها، ومن ثمّ تدميرها مجدداً.

يأخذ فيلم «إعادة تدمير» من خلال الشهادات التّي يعرضها، وسيمولوجية الصور، إلى منحى جديد وهو «منع حدوث الحدث».

الحكاية لا تنتهي عند هذا الحد. وليس بالضرورة فعل ذلك. لأن الهدف الأساسي للفيلم هو دعوة المتفرج لفتح الأسئلة عن الواقع الراهن. إذاً، يأخذ فيلم «إعادة تدمير» من خلال الشهادات التّي يعرضها، وسيمولوجية الصور، إلى منحى جديد وهو «منع حدوث الحدث». فبعد أن ذكّرنا المخرج بما فعلته «سوليدير» ببيروت، يمكننا أن نعّد الفيلم بمثابة «صفعة» توقظ المشاهدين، وتحثهم على عدم القبول بسياسة التدمير مجددّاً، خاصة أن بيروت قد تكون معرضة من جديد، لنفس سيناريو شركة  «سوليدير»، بعد ما خلّفه إنفجار الرابع من آب، من تدمير لبيروت، وتشويه للنفوس. لعلّ هذه المرّة لا تتم إعادة إعمارها بما يناسب الطبقة الحاكمة، وإنّما بما يناسب سكّانها. ينتهي عرض الفيلم الوثائقي، ويخلف في النفوس نقمة مضاعفة حيال سياسات التدمير الممنهج التي تقودها الطبقة الحاكمة «من يدمّر المدينة إثنان: الآتي من خارج أسوارها، والقائد الجاهل».

«إعادة تدمير»: قالب سينمائي متقن

تأتي كل هذه الموضوعات، في قالب سينمائي وثائقي، متقن على مستوى الزوايا والمنحنيات التي يصورها. تغيب الكاريكترات، وتترافق المادة السمعية التي يوفرها الفيلم، مع مشاهد أشخاص من شرفاتهم، أو المارة في الشوارع، لتعبق الذكريات بتفاصيلها.

على صعيد متصل، وخلال دردشة تبعت العرض السينمائي الأوّل  لفيلم «إعادة تدمير» في لبنان، تقول منتجة الفيلم جانا وهبة، إنّ تصوير الفيلم بالأساس، كان مخصصاً للشاشات الصغيرة كالهاتف أو الحاسوب، »ولكنّه وجد طريقه بنفسه، إلى شاشة السينما». جدير بالذكر أيضاً، بأنّ فيلم «إعادة تدمير» قد حاز على جائزة «شيرين أبو عاقلة» في مهرجان »القدس للسينما العربية» عن فئة الفيلم الوثائقي. كما عرض في مهرجان «الفيلم» في العاصمة الألمانية برلين. وتم عرض الفيلم في «سينما سيتي» في بيروت، ضمن مهرجان، «أيام بيروت السينمائية» الذي يمتد حتى ١٩ حزيران.

رنا علوّش

فنانة بصرية. حائزة على بكالوريوس بالفنون التشكيلية من الجامعة اللبنانية. أعمل في مجالات فنية عدّة، كصناعة الدمى، وتصميم المجموهرات، والسينوغرافيا، والتلوين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى