
ترى الممثلين على الخشبة أمامك. يقرأون نصوصاً من مسرحيات بريخت ربما، أو يتمايلون في حركات مستقاة من الرقص الكلاسيكي أو المعاصر أو الشعبي. تُحطيهم السينوغرافيا (الديكور، الإضاءة، الأزياء والموسيقى) من كل جانب. قد تسأل: كيف للمخرج أن يجمع كل هذه العناصر الفنية في مشهدية مسرحية؟ وكيف يمكن لعقولنا أن تستقبل الإشارات والمعاني التي تحملها المؤثرات الفنية؟ بالأحرى، كيف في الحقيقة، إن الدراما لها دراسات مختلفة، يستند إليها المخرجون والنقاد، لإعلاء شأن القيمة الفنية لإبداعاتهم. أبرز هذه الدراسات هي الدراماتورجيا Dramaturgy . فما هو هذا المصطلح غير الشائع كثيراً؟ وما شأنه بفتح أفاق التفكير والتحليل للإبداعات الفنية في المسرح كما السينما؟للمخرج أن يجمع كل ذلك، ويجسد أفكاراً وفلسفةً وأحاسيس وإيديولوجيةً معينة على المسرح؟
كما هو الحال مع مختلف المصطلحات، فإن الحضارة اليونانية أغنت العالم بمعاني الكلمات واشتقاقها.ك الدراماتورجيا هي كلمة مشتقة من اليونانيين، وتعني حرفياً «فن تأليف المسرحيات».
الدراماتورجيا هي الدراسة التي تبين العلاقة بين المضمون المسرحي والشكل، ليظهر مشهدياً أمام المتفرجين.
Norman Frisch
تاريخياً، ظهر مفهوم الدراماتورجيا في القرن الثامن عشر، ومهد لظهور مفهوم الإخراج في نهاية التاسع عشر. أدى ظهورُ الدراماتورجيا، إلى تحول في النظرة للمسرح، وانبثاق ما يسميه الناقد الفرنسي برنار دورت B. Dort «الذهنية الدراماتورجية»، التي ساهمت في بناء علاقة جديدة: بين النص والعرض.
مفهوم الدراماتورجيا:
يقودنا هذا إلى تعريف معنى الدراماتورجيا، بحسب الناقد الأميركي Norman Frisch، إذ يمكن تحديد الدراماتورجيا من خلال طرح سؤالين. السوال الأول: ماذا يتم تقديمه؟ والسؤال الثاني: كيف يتم تقديمه؟ وبالتالي فإن الدراماتورجيا هي الدراسة التي تبين العلاقة بين المضمون المسرحي (Content) والشكل (Framing). إذاً، هي الربط بين المحتوى، والشكل، ليظهر مشهدياً أمام المتفرجين بلغة فنية مسرحية.
مع الزمن، تطور مفهوم الدراماتورجيا، مع المسرحي الألماني بروتلت بريخت. وتوسع مفهموها ليشمل: البنية الإيديولوجية والشكلية للعمل الفني، وتطبيق النص المعد للإخراج بشكل شامل.
ما معنى ذلك؟ هذا يعني أن الدراماتورجيا تبدأ من القراءة الأولى لمسودة الأفكار أو النصوص أو المخطط الورقي للعمل المسرحي. مروراً بالتمرينات مع الممثلين والتقنيين، وترافق أيضاً وصول الجمهور إلى صالة العرض، وبدء العرض، وانتهائه وخروج الجمهور من الصالة.
مهام الدراماتورج:
بالطبع يحتاج ذلك إلى مختص في هذا المجال يطلق عليه «الدراماتورج»، الذي لم يعد الإستغناء عنه ممكناً. تتعدد مهام الدراماتورج: تبدأ من القراءات الأولى للمسرحية. ومن ثم عليه الجلوس إلى جانب المخرج ليراقب البروفات، ويتأكد من كيفية عمل الممثل على إعداد الدور. كما ينظم ويعقد طاولات مستديرة للنقاش حول العمل، وعليه أن يكون حاضراً للإجابة عن أي سؤال من قبل الممثلين.
يحضر الدراماتورج بالتعاون مع المخرج خطة عمل للإجابة على النقاط التالية وتقديم معلومات حولها:
- حياة الكات
- تحديد تاريخ أو زمان المسرحي
- ترتيب الأحداث التاريخية
- العمل على توضيح السيمولوجيا والسينوغرافيا والمواد النصية والبصرية (كالصور أو العبارات أو الكلمات). ومن أبرز مهام الدراماتورج، أنه يعمل على تكييف أفكار ورؤى المخرج وفلسفته، تماشيا مع النص الذي يتم تقديمه على الخشبة.
بالعودة إلى الدراماتورجيا، تخطر تساؤلات عديدة في هذا الإطار، فهل تشمل العمل على النص؟ أم الحركة والصوت والإضاءة؟ هل وظيفتها جمع كل عناصر المسرحية مع بعضها؟ هل تختص بالحوار فقط واختيار النصوص؟ وهل تمتد الدراماتورجيا لتشمل الحوار الذي من الممكن أن يدور في صفوف المتفرجين؟ هل هي روح وبنية العمل المسرحي؟ أم هي تحدد كيفية التصرف بالزمان والمكان في العمل؟
في الحقيقة، فإن الدراماتورجيا تشمل كل هذه التساؤلات؟ وعلى الرغم من أن المعاجم المسرحية تعطي أجوبة كثيرة وواضحة للدراماتورجيا، ولكنها ليست كافية لشرح نواحي وتعقيدات هذه الكلمة واستعمالاتها. ويبقى العالم العربي بحاجةٍ إلى تعزيز استخداماتها في الأعمال الفنية، وأيضاً إرساء مناهجها، وترجمة مصادر المعلومات حولها.