بايبود 2022: الرقص والعصيان الثقافي، مادّة للتغيير

اختُتم «مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر»، السبت 27 أيار- مايو، بعد أن شكل ظاهرة فنية، ليس هذا العام وحسب وإنما على مدى السنوات السابقة، للتعبير عن المعاصرة. «بايبود 2022» حيث أصبح الجسد أداة واضحة للتعبير عن القضايا الإنسانية، والإجتماعية، والسياسية… التي تطال البشرية، بحث في دورته 18، في العلاقات الحسيّة العميقة، غير الملموسة، والتصورات الإنسانية للحقائق العليا، والميتافيزيك. وسط ديناميكية تعزز هوية التعبير الجسدي للقضايا المجردة. «بايبود 2022» انطلق في لبنان من 26 أيار- مايو، واتخذ من متحف «سرسق» و«مسرح بيريت» و«بعقلين – قضاء الشوف»، منصات ليس لتقديم العروض الراقصة فحسب، وإنما لإدارة بعض النقاشات والحوارات الفنية أيضاً.
برنامج «بايبود 2022»: أفكارـ أجساد، وأحلام
في جولة على العروض المعاصرة التي تم تقديمها، ضمن فعاليات المهرجان، وتم بثها على منصة «سيتيرن لايف». عرض «آرا آرا»، الذي قدم يوم الخميس 26 أيار- مايو، للراقصين الإيطالي «جينفيرا بانزيتي» والألماني «أنريكو تيكوني». يبحث «آرا آرا» في ميثيولوجيا العصور القديمة، ومفهوم كلّ من السلطة، والعنف، والقوة في إطار واحد، للتعبير عن شكل الصراعات السياسية، وجدوى الإنتماء، وأشكال الهيمنة.

تلى عرض «آرا آرا»، عرض «أنا» للراقص الإسباني الفرنسي «فابيان تومي». يدور هذا العرض حول الأنا بمفهومها المجرد، البعيدة عن الإدراك العقلي والهاجس النفسي. يصوّر العرض الذات على أنها هشّة وبعيدة عن الإنسجام والتجانس، في دائرة من العدمية. كما تم تقديم حصيلة ورشة عمل في الرقص المعاصر وأقامها «فابيان تومي»، بالتعاون بين فرقة «مقامات» و«بيروت فيزكل لاب».
أما في 26 أيار – مايو، تمّ تقديم عرض «حضرة» للكوريغراف الفرنسي المغربي «ألكسندر روكولي»، الذي يحاول في عرضه، مزج الفنون البصرية والموسيقى. لخلق حركة جسدية قادرة على الإبحار في غياهب الماضي والمستقبل، وتحقيق الإنسيابية التامة في التخيلات الزمنية.
يغوص المهرجان في أسئلة وجودية، ويطرح ماهية الفن، والدور الذي يقوم به الفنان في زمن تحكمه الفوضى والتشتت.
عمر راجح، مؤسس مهرجان «بايبود»
أمّا عرض «سديم» للراقصة الفرنسية «فانيا فو»- عُرض يوم الجمعة في 27 أيار- مايو، في متحف «سرسق». يغوص في جدلية العلاقة بين الإنسان والطبيعة. وذلك من خلال الحديث عن رحلة نشوء الكون، عبر حركات تعبيرية تلتقي بين الماضي والمستقبل.
كذلك، قدّم الكوريغراف اللبناني، ومؤسس «بيروت فيزكل لاب»، الراقص والكوريوغراف بسام أبو دياب، عرض «بينا ماي لوف». في 27 أيار- مايو. العرض يطرح نظرة على أوضاع السجون، والتخبطات النفسية العميقة للسجناء. يسبح الجسد في عرض بسام أبو دياب، بأسلوب يتحدّى القوانين الطبيعية ويخرقها في فضاء مقفل ومكبل، ليصبح الرقص عندها أشبه بسترة النجاة، مجسداً للخلاص التامّ.

وعلى هامش «بايبود 2022» قدمت فرقة «مقامات» بالتعاون مع «سيترن لايف»، ضمن مبادرة لبيروت، التي تقيمها «اليونسكو»، بهدف إحياء الثقافي في لبنان، أشرطة مصوّة، تحت عنوان «كاميراز أوف أكتوبر». وهو مشروع فني، شارك فيه عدد من الفنانين، مقدمين عروضهم الراقصة، بهدف تشجيع الصناع الجدد في المجالات الفنية، بخلق دمج كبير بين أدوات الرقص والفيديو.
«مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر»: تساؤلات عن ماهية الفن
بالعودة إلى الأطر العامة لمهرجان «بايبود 2022»، وفي البيان الصحافي لدورة هذا العام، فقد أبدى كلٌّ من مؤسس فرقة «مقامات» ومديرها الفني عمر راجح، بالتعاون مع المديرة الفنية للمهرجان ميا حبيس، أهمية العصيان الثقافي، الذي يعتبر تلبية للفنانين واحتياجاتهم.
كذلك، يؤكد راجح بأن الجوهر الذي يقدمه المهرجان في دورته الثامنة عشرة، هو دور الثقافة وأهميتها في طرح تساؤلات فلسفية، وانعكاساتها على الفنانين. «كيف يمكن أن تدخل القضايا الإجتماعية والسياسية في تحديد هوية الفن وطرق تجسيده؟ كيف يتلقى الفنانون الإضطربات والتخبطات العامّة التي تطال المستويات الحياتية كافة؟»، يطرحها راجح، الذي يقول بأن المهرجان يغوص في أسئلة وجودية أبعد من ذلك، ليطرح ماهية الفن، والدور الذي يقوم به الفنان في زمن تحكمه الفوضى والتشتت؟
من هنا، أتي مهرجان «بايبود 2022» تجسيداً واضحاً لمعنى الإرادة، والرغبة الواضحة في التجديد من جهة، والتعامل بشكل دقيق مع هوية الفن المعاصر ومتغيراته من جهة أخرى. علاوة على ذلك، قدم مهرجان «بايبود 2022»، هذا العام، في ظروف غير مسبوقة يعاني منها لبنان، نتيجة الإنهيارات الإقتصادية والنفسية، ليقدّم أفكاراً فنية جديدة، تبحث في جوهر الإنسانية وهويتها المجردة، على أمل أن يكون للفن دور كبير في إحداث تغيير.