مسرحمقالات

ما الفرق بين المسرح الكلاسيكي والمسرح الملحمي؟

عادةً ما تُطرح جدلية تأثير الفن المسرحي على المجتمع، والعكس. إنه، وبصرف النظر عن دور المسرح، وجوهره الحقيقي، الذي يختلف حسب اختلاف المضمون، إلاّ أن الفن المسرحي، ومنذ القدم، تأثر ولو بشكل غير مباشر بالظروف السياسية، والدينية، والوجودية، والإجتماعية. من المحاكاة الأرسطية، إلى الكلاسيكية، وصولاً إلى المسرح الملحمي، ثم الحداثة، إلى ما بعد الحداثة. وعليه، لا بدَّ من السؤال: هل الفن المسرحي هو محاكاة للواقع كما هو؟ حسبما يذكر رائد الفن أرسطو في كتابه «فن الشعر» الذي يعتبر حجر أساس في تحديد معايير المسرح الكلاسيكي. أم أنه، إعادة تحليل وتشريح للواقع، لدفع المتلقي للتفكير والبحث في ماهية الفن بداخله؟ حسب الأسس التي وضعها الألماني بروتلد بريخت، رائد المسرح الملحمي والتغريب. وما هي الفرق بين المسرح الكلاسيكي والمسرح الملحمي؟.

لا يمكن التغاضي عن فكرة أن الفن تراكمي، لا يعتمد على النفي العلمي والمنطق المادي، كالعلوم الطبيعية، والفيزياء، والكيمياء… لذلك، قد تختلف خصائص المسرح في زمن أرسطو، عن تلك التي كانت في عهد بريخت. وذلك، لأن الفن المسرحي يبحث في متناقضات النفس البشرية، وتقلباتها، وعلاقتها بالظروف المحيطة، والكون، والميتافيزيك. لذلك، وقبل الدخول في تحديد الفارق بين المسرح الكلاسيكي الأرسطي، الذي يعتمد على فكرة التماهي المطلق، والتطهير النفسي، وبين المسرح الملحمي، الذي يكسر الإيهام، ويشرع مفهوم التغريب. يجب البحث، في الظروف التي آلت إلى الثورة التي جعلت من بريخت يطيح بالمفاهيم الكلاسيكية، التي بقيت معتمدة لقرون عدّة.

كيف تأثر المسرح بالظروف المحيطة؟

إذا أردنا الحديث عن جوهر الفن وماهيته، ستتضح أهمية المسرح في حياة الإنسان عبر علاقته بكلّ ما حوله مهما كان بسيطاً أم عميقاً. لذلك، ينطوي دور المسرح في قدرته على تفكيك المفاهيم، التي لا يمكن استيعابها، واحتوائها، أو فهمها بتجرد في الحياة اليومية. .

 اختلفت الرؤية الدراماتورجية للنص تماماً في عصر بريخت. إذ، استفادت النصوص من المعرفة التي قدمتها العلوم الإنسانية، وخاصة اللغويات، البنيويات، والسيميولوجيا، وعلم الإجتماع. وبدأت الأسئلة تطرح على المتلقي بشكل أكبر.

في عصر أرسطو كانت الكتابة مرتبطة بالعرض حسبما تذكر الباحثة السورية ماري الياس في سلسلة «مفهوم الدراماتورجيا» التي أنتجتها جمعية «اتجاهات، ثقافة، مستقلة»، إن العرض في الزمن الأرسطي كان مرتبطاُ بالأعراف الدينية، واللياقة المجتمعية، وقواعد حددت الحركة المسرحية آنذاك، بناءاً على هذه الأعراف.

أرسى بريخت قواعد مسرحية جديدة، أطاحت بالمعايير الكلاسيكية، نتيجة المتغيرات الفكرية، السياسية، وكذلك النفسية التي اجتاحت أوروبا أواخر القرن التاسع عشر، حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، أواخر النصف الأول من القرن العشرين. تجسدت عصارة هذه المتغيرات، بعد دخول الفكر التنويري، والتخلص من هيمنة الكنيسة، مع إعادة صياغة المفاهيم الإنسانية، وأهمية الفكر البشري في صنع المعجزات.

حدد بريخت دوراً للمتلقي، إذ أخرجه من صفة المتفرج وحوله إلى مراقب للحدث.

دراسات

ضمن هذه الحركات، برزت الحركة المستقبلية في إيطاليا على يد الفنان التشكيلي «فيليبو مارينتي»، التي مجدت الآلة، ونقدت بشدّة وجهة نظر المذهب الكلاسيكي للفن والإنسان على حد سواء. بالإضافة إلى مقولة نيتشه الشهيرة «مات الإله…ونحن من قتلناه» . كل هذه الحركات التي مجدت الإنسان، انهارت أمام عدمية الحرب ووحشيتها، مخلفة حركات عفوية، غير ناضجة. كذلك برزت «الدادية» على سبيل المثال، التي شككت بكل شيء، وغيرها… ولكن، في الوقت نفسه، ظهرت تيارات فكرية، حاولت تحديد ماهية الفن المسرحي، ودوره البالغ في صناعة الوعي الجماعي. وهذا ما دفع بريخت إلى تحديد معايير جديدة، تعطي المتلقي أهمية بالغة في العرض المسرحي.

ما هي الفوارق بين المسرح الكلاسيكي والملحمي؟

بقيت المجتمعات تحت سلطة الدين والمثل العليا لقرون طويلة. وهذا ما أثّر بشكل مباشر على حركة الفن بشكل عام والفن المسرحي بشكل خاص. ضمن هذا السياق، حدّد أرسطو، معايير العرض، والنص، والمضمون. لذلك، ما هي أبرز خصائص المسرح الكلاسيكي؟

أولاً- المسرح الكلاسيكي الدرامي:

كما قيل سابقاً بأن المحاكاة الأرسطية، تشدّد على فكرة أن الفن يعرض العالم كما هو، دون النظر في المتناقضات والإختلافات البشرية. فالصفة هي التي تحدد جوهر الإنسان. بعبارة أخرى، الإنسان في المسرح الكلاسيكي، ثابت لا يتغير. بالإضافة إلى أنه محكوم بسلطة القدر.

  • يجري الحدث ضمن تسلسل منطقي، مبني على أفعال وردود أفعال شاملة وشائعة. بالإضافة إلى أن المشهد مرتبط بشكل عضوي بالمشهد الذي يليه.
  • يصبح المتلقي في العرض الكلاسيكي متفرج، غير معني بكل ما يحدث على الخشبة، إلاّ بغاية تحقيق التماهي المطلق، وتوريطه في الحدث، لتحقيق التطهير النفسي.
  • وأخيراُ، يعتمد المسرح الكلاسيكي على الحبكة، ووحدة الزمان، والمكان، والحدث. بالإضافة إلى انه يفترض بأن الفكر يتحكم في الوجود، ويحدد طبيعته، ويقرر مساره.

ثايناً- المسرح الملحمي:

في الوقت الذي يرتكز فيه المسرح الكلاسيكي على الحبكة، نجد أن المسرح الملحمي يعتمد على سرد الأحداث ضمن سياق تاريخي محدد.

  • حدد بريخت دوراً للمتلقي، إذ أخرجه من صفة المتفرج وحوله إلى مراقب للحدث.
  • كسر الإيهام والتماهي المطلق، وأطلق مفهوم التغريب.
  • يعمل بريخت في عروضه على عدم تقديم العالم كمحاكاة للواقع، وإنما كتأمل عقلي يثير الأسئلة في رأس المتفرج.
  • الأحداث تقدم على أنها أحداث موضوعية، قابلة للتحليل والتشريح.
  • يخرج المشاعر الغرائزية إلى النور، ويدفع المشاهد إلى إدراكها بوعي.
  • أمّا فيما يخصّ العرض، فالتركيز يكون على الأحداث نفسها. بالإضافة إلى أن الحدث مستقل عن الحدث التالي.
  • يصبح الإنسان في المسرح الملحمي موضوع بحث وإعادة تمحص. إذ أن الإنسان متغير ومتقلب وليس ثابتاً.

أيهما أفضل؟ بالطبع، لا يمكن الإجابة عن ذاك، ولكن كل ما يمكن تحديده هو الفرق بين المسرح الملحمي والكلاسيكي. ولكن، لا يمكننا إنكار أن المسرح يعمل على تصوير الإنسان بكل ما يحمل من صراعات وتخبطات. خاصة أنه تطور الإنسان مع تطور الفن، وقدم وظائف عديدة أهمها فهم وتجسيد الإنسان بخصوصية تامة. لا تستطيع المدارس الفنية إلغاء بعضها البعض، إنما العكس فهي تتطور وتتأثر ببعضها. يمكن للفن إنتاج أساليب، ومقاربات، ونظريات مختلفة، يمكن لنا أن نتذوقها، ولكنها تبقى جميعها جائزة.

ندى جوني

كاتبة محتوى إلكتروني، أعمل في مجال البحث العلمي، أحضر حالياً لنيّل شهادة الماجستير في المسرح من الجامعة اليسوعية في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى