أفلام وثائقيةسينما

زينة دكاش في فيلم يوميات شهرزاد: نتشافى بالدراما، والحرية

صورت المخرجة والمعالجة بالدراما والمديرة التنفيذية لمركز كثارسيس، زينة دكاش، التجربة التي خاضتها مع عدد من النساء في سجن «بعبدا» في لبنان، ضمن فيلم وثائقي، تظهر فيه عدد من السجينات، اللواتي استطعن تحدّي القمع، بعنوان «يوميات شهرزاد». تتمحور أحداث الفيلم الوثائقي، حول عرض مسرحي، قامت به زينة دكّاش، مع النساء، بعد أن حولت السجن، هذا المكان المريع، إلى مسرح يعجُ بالحرية. صور فيلم يوميات شهرزاد، الذي يجمع بين المأساة والكوميديا، بعد إنتهاء مشروع العلاج بالدراما والمسرح، والذي كانت نتيجته، عرض مسرحي، قُدم في السجن، أمام أهالي السجينات، ومجموعة من المسؤولين في لبنان والمجتمع المدني.

بحثٌ عن قيمة الإنسان

تبدأ السجينات، بطرح أسئلة حياتية عادية، على وقع موسيقى كلاسيكية، تنسيك أنك في سجن. «هل الموضة هكذا خارجًا ؟ بعدو شكلي بيشبه المرا؟ ممنوع تلبسي كعب. ممنوع تمرضي بعد الساعة خمسة! بعدا بنتي بتعرفني! أنا أم واشتقت لولادي». أسئلة وعبارات، تعبر عن المطالبة بالحق الإنساني، الذي يجب أن يتمتع فيه المرء.

تغوص المخرجة مع السجينات بمخاوفهن وقلقهن، تحديداً من خلال جلسات التشافي بالدراما، لتفصح السجينات عن حكايا عنف أسري واجتماعي، وطفولة بائسة، وعلاقات زوجية فاشلة، وحرمان عاطفي، وأمومة مقهورة… تتحول قصصهن إلى سرديات هذا الفيلم، على وقع نقرات رقص «الفلامينغو»، وظهور لقطات تدريبات التعبير الجسدي، الذي يجسّد الشعور الذي أثقل كاهلهن، كالظلم، الحبس، الأمل…

لم يقتصر نجاح هذا الفيلم، على الأداء التمثيلي التلقائي العفوي وحسب، بل على النص العميق، والأسلوب المتحرر في استخدام الكاميرا.

تتحدث نساء سجن «بعبدا» عن قصصهن المؤثرة، التي تلّخص قصص مختلف النساء في السجون اللبنانية الأخرى، أو في سجن الواقع المرير، الذي تعيشه الكثير من النساء خارج القضبان، في مجتمعات تحكمها سرديات القمع والخوف.

تطرح المخرجة في بعض مشاهد فيلم يوميات شهرزاد، الفراغ، الذي تعيشه هؤلاء النساء السجينات، والأمل المتبقي لديهن لإكمال حياتهن بطريقة طبيعية في المجتمع. وتشدد المخرجة على قوة التواصل في العيون، حيث تمّكن السجينات من النظر بعيون الضيوف بشكل مباشر، وجلوسهن كالملكات، مستخدمة تقنيات «التطهير» لإظهار النسخة الأفضل عن المرأة في باطنهن ومكنوناتهن الداخلية، التي تعبّر عن وجودهن، وتكسر حاجز الصمت وتساهم في عملية إصلاحهن، وإعادة تأهيلهن تمهيدًا لخروجهن من السجن، وانضمامهن إلى المجتمع مجددًا، وتمكنهن من مدّ جسر يوصل أصواتهن إلى المجتمع المدني، بنحو فنيّ بنّاء، يعبر عن رغبة «الشهرزادات» الصادقة في التغيير، والانخراط من جديد في «مجتمع نظيف» كما يسمينه.

فيلم يوميات شهرزاد: شكل إخراجي حرٌ

لم يقتصر نجاح هذا الفيلم، على الأداء التمثيلي التلقائي العفوي وحسب، بل على النص العميق، والأسلوب المتحرر في استخدام الكاميرا، حيث تمر مشاهده أمامك بسلاسة لخلوها من الرتابة، ضمن كادرات مدروسة ومؤثرة، على وقع الموسيقى الكلاسيكية المستخدمة، وصراخ السجينات المطالِبة بالحرية، والعبارات المروية من دفتر يوميات أحد السجينات «الشهرازادات».

لقطة من فيلم يوميات شهرزاد
تحلّق أرواح السجينات طليقة، مع مشاهد وداع أحد السجينات لرفيقاتها، بعد نيلها الحرية

ينتهي فيلم يوميات شهرزاد، بإجابات مختلفة على سؤال المخرجة «ماذا غيّرت المسرحية فيكِ، كامرأة؟» فتردد السجينات الأجوبة بصوت واثق، وحرية بالتعبير، «عن أنوثتهن المجروحة»، وتتطهر قدرتهن على التشافي، وإمكانية عملهن في أدوار لها قيمة في الحياة والمجتمع، بحضور آخاذ يتسم به الفيلم، منذ اللحظة الأولى، لظهورهن أمام الكاميرا.

 تحلّق أرواح السجينات طليقة، مع مشاهد وداع أحد السجينات لرفيقاتها، بعد نيلها الحرية، فيما تمر أيضًا بسرعة لقطات من حفل زفاف إحداهن، التي وقفت لها المخرجة زينة دكاش شاهدة على زواجها، بعد خروجها من السجن. تبرز قيمة الإنسان الحقيقية في المجتمع، تمامًا كما رغبت المخرجة في إيصالها لنا، في منطق فنّي هادف، لايبحث عن التعاطف مع هؤلاء النساء وحسب، بل إلى توعيتهن حول حقوقهن الاجتماعية.

  • فيلم «يوميات شهرزاد»، يُعرض الأربعاء 9 آب، أغسطس. العرض الداخلي، 6:30 مساءً. وعرض الهواء الطلق، 8 مساءً. يتبعه لقاء مع المخرجة زينة دكاش. مؤسسة «شومان»، عمان، الأردن.

Waed Abou Dergham

طالبة في الجامعة اللبنانية الدولية، قسم «الإعلام المرئي والمسموع». مهتمة بالتحليل، والنقد، والنقاش، حول الأفلام السينمائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى