فنون أخرىفنون تشكيلية

على نفس الحائط: فاطمة الحاج، وفنان آخر، مبتذل!

معظم أصحاب المعارض الفنيّة في لبنان، يأتون من خلفية تجاريّة، يتقنون عملية الترويج، ولديهم اتصالات مع شخصيّات من المجتمع البرجوازي. يروجون للأعمال الفنيّة التي يقتنونها، إلى أن يبيعونها، ومن ثمّ يسعون إلى اقتناء غيرها. ولكن، القليل منهم يتمتعون بخلفيّة فنيّة، ولا يسعون، أقله، إلى  الاجتهاد، لإشباع ثقافتهم الفنيّة. ولهذا، فإنّ معظم صالات العرض اللّبنانية، لا تختار اقتناء الأعمال الفنيّة الأصيلة والمتقنة، وإنّما تروّج لها، بإتقان، بين الشخصيّات البرجوازيّة، التي تجوب المعارض، بهدف اقتناء لوحة أو الإستثمار بها. هي أيضاً، بدورها، قد لا تأتي من خلفيّة فنيّة تسمح لها بالتمييز بين العمل الفني الناجح والعمل “الفني” المبتذل، لذا من المحتمل أن ينفق هؤلاء أموالاً باهظة، على أكثر عمل يروّج له صاحب الغاليري، بغض النظر عن قيمته ونوعيته.

تقتني غاليري كاف، في الأشرفيّة، بيروت، لوحة للفنانة فاطمة الحاج، الحائزة على جائزة “بيكاسو” العالميّة للفنون، والتي تُعرف بألوانها الانطباعية. الحاج، الغنيّة عن التعريف في عالم الفن التشكيلي والمخضرمة في لوحاتها التي غالباً ما تصوّر الحدائق والطبيعة التراثيّة، في عدد من المدن التي مرت بها، في اليمن والمغرب وفرنسا، فضلاً عن موطنها لبنان. حازت فاطمة الحاج على الدبلوم عام 1978 من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، ومن ثم أكاديميّة الفنون الجميلة لينينغراد، في روسيا، تلتها دبلوم المدرسة الوطنيّة للفنون الزخرفية في باريس. قامت الحاج بتدريس الفن، في معهد الفنون الجميلة في بيروت، وهي تعرض أعمالها بانتظام بين بيروت وباريس، إلى جانب عديد من العواصم العربيّة والأوروبيّة الأخرى.

تقوم غاليري كاف بعرض لوحة  “قطاف الزيتون”، لفاطمة الحاج، جنباً الى جنب، مع لوحة قام بإنجازها ما يُطلق على نفسه، فناناً، اقتحم المشهد الفني منذ حوالي الخمس سنوات، يدرّس الهندسة المعماريّة في الجامعة الأميركيّة، وليس له أي علاقة بالممارسة التشكيليّة. لا يتمتع هذا المدرس بأي تجربة فنيّة، إذا كنّا نتحدث عن الفن التشكيلي تحديداً، يقوم بإنجاز الكثير من اللّوحات المتشابهة، جميعها، والتي تقترب في تشكيلها إلى الملصقات الإعلانيّة أو الـ Posters. تقتصر غالبية أعماله، على نفس الألوان والتأليفات والتقنيّات، ولكن يقوم بالترويج له بالآونة الأخيرة في الساحة الفنيّة وبشكل كبير، فعدم صقل تجربته الفنيّة، واقتصار لوحاته على نفس التشكيل، يمنحه في المشهد الفني، ما يسمى بالهويّة الفنيّة الزائفة، فإنّ بعض النقاد قد يطلقون عليها، مساحة الفنان الآمنة، وهي حين يخاف الفنان أن يختبر ويجرّب أعمالاً جديدة، إن كان من ناحية التقنيّات، أم الألوان، أم التأليف، خوفاً من أن يفشل عمله الفني الجديد، بسبب عدم خبرته الفنيّة.

من غير المنطقي أن تقوم غاليري كاف بعرض لوحة لفنانة مخضرمة كرّست حياتها للتجارب الفنيّة، إلي جانب لوحة لأحد هواة الفن، على نفس الحائط، وكأن ميريام كلينك تغني إلى جانب زياد الرحباني، على نفس المسرح! تصرح صاحبة الغاليري، بجرأة، بأنها تخطط إلى إرسال اللّوحتين، أي لوحة “قطاف الزيتون” ولوحة “الفنان” الآخر لعرضهما جنباً الى جنب، في “كايرو آرت”، في مصر، وذلك في الحادي عشر من شهر شباط،  فبراير، الحالي.  

خطأ كهذا، لا يقتصر على “غاليري كاف”، في الأشرفيّة، قد نجد نفس المشهد في الكثير من صالات العرض الأخرى في لبنان. من هنا، نسأل، أليس على  أصحاب الصالات مسؤوليّة في الحفاظ على مستوى معيّن في الأعمال الفنيّة التي يختارونها للعرض؟ أو على الأقل عدم عرض أعمال دون المستوى إلى جانب أعمال أحد أهم الفنانين في نفس الغرفة؟ حين تقوم صالة العرض بتقديم مادة رفيعة المستوى وقيّمة فنيّاً للجمهور، فهي بالتالي تقوم بالحفاظ على ثقافته الفنيّة، ولا تساهم في انحدارها.

رنا علوّش

فنانة بصرية. حائزة على بكالوريوس بالفنون التشكيلية من الجامعة اللبنانية. أعمل في مجالات فنية عدّة، كصناعة الدمى، وتصميم المجموهرات، والسينوغرافيا، والتلوين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى