سينمامراجعة فيلم

مراجعة فيلم صوت الميتال: الصخب أم الصمت

“هل حظيت بلحظة سكينة من قبل؟” تلك السكينة التي تعني الطمأنينة والاستقرار… هل حظيت بهذه اللحظة التي يصمت كلُ ما حولك، ولا تعد قادراً على سماع أي شيئ سوى أعماق نفسك وما يدور داخلها؟ انطلاقاً من هذا السؤال، تكمن قصة الفيلم «Sound Of Metal» الذي لا يعالج معاناة الصم، وفق منطلقات مجتمعية، ولا يتبنى أي قضية في هذا الإطار. وإنما، يأخذنا مخرج الفيلم داريوس ماردر، في رحلة بحث عن سكينة الإنسان ومكامنها، في الصخب أم في الصمت؟ نقدم فيما يلي مراجعة فيلم صوت الميتال (120.د)، بطولة الممثل من أصول باكستانية ريز أحمد Riz Ahmed وأوليفيا كوك Olivia Cooke.  

محور حبكة Sound Of Metal:

إن أهم ما ترتكز عليه الدراما بشقيها التراجيديا والكوميدي، هو الحدث الدرامي. ترتكز حبكة فيلم صوت الميتال، على حدث أساسي يطرأ على روبن، عازف الميتال، الذي يعيش حياة الصخب والجنون، كالموسيقى التي يعزفها. يقدم برفقة حبيبته “لو”، عروضاً في الحانات الليلية. يعيشان حياة الغجر الرحل، في كارفان يتنقلان به في أرجاء أميركا، بعد أن أقلعا عن تناول الهيرويين منذ سنوات.

وسط كل هذا الصخب الذي يصوره المخرج في بداية الفيلم، يطرأ الحدث الدرامي الذي يشكل منعطفاً في الفيلم: روبن عازف الميتال، يفقد حاسة السمع… هل في الأمر مبالغة؟ بالطبع لا، لإن الأحداث الدرامية يجب أن تشكل منعطفاً، وإلا ما كانت تصلح  لتصب في خانة الدراما. إذاً، يسودُ الصمتُ حياةَ روبن، ماذا عليه أن يفعل؟

إقرأ أيضاً:

فيلم مأساة ماكبث: كابوس متنام ومفزع

بعد فقدانه لحاسة السمع، يمكث روبن طوعياً، في مركز للرعاية والتعليم، تموله الكنيسة. قبل أن يمكث هناك، تتضح توجهاتُ بطل الفيلم الفكرية، فهو ذات توجهات يسارية، يُقر بعدم إيمانه بالأديان السماوية، في أول لقاء جمعه مع صاحب مؤسسة الرعاية الإجتماعية جو، Paul Raci، الذي يجسد يد الله التي تمتد لكل البشر: “إن الكنيسة لا ترعى فقط المسيحيين، وإنما هي لكل الناس؟”.

انطلاقاً من ذلك، تبدأ مسارات الأحداث تتفاعل، فهل يجب على روبين القبول بسلطة الرب؟ والخضوع لهذه السلطة وتقديم الطاعة لها؟ أم يُجري عمليةً جراحية، ويخالف  تعاليم المؤسسة والتي تنص تعاليمُها بأن “الصم ليس مشكلة تستدعي الإصلاح”؟.

مراجعة فيلم صوت الميتال تمثيلياً:

نجح الممثل ريز أحمد Riz Ahmed، في تجسيد التحولات الدرامية للشخصية التي يقدمها، على المستويين النفسي والفيزيولوجي. قوامه اعطى انطباعاً واضحاً ، يطبع مسار حياة الفنانيين المشتتين، (تاتو، شعر مبعثر، ثياب بالية). كما استطاع الإمساك بالمنعطفات التي تؤثر على شخصيته، وتجسيدها بطريقة متقنة. أظهر بطل الفيلم تخبطاته وعواطفه بشكل صادق للغاية، والتي تترجم بكاءً أوانفعالاً أو تحطيماً. بالتالي، استطاع أن يقرب المشاهد مما يدور داخل نفسه.

فيلم صوت الميتال
لقطة من فيلم صوت الفيلم ويظهر الممثل ريز أحمد في الصورة

وعليه، يمكن القون بأن الكاستينغ (اختيار الممثل) يعد ناجحاً. على سبيل المثال، سمحت العينان المتسعتان للممثل Riz Ahmed، أن يعكس من خلالهما العواطف، وأن يبوح بشكل مضاعف، عما يدور داخله، خاصةً بعد فقدانه لحاسة السمع، وعدم تمكنه من التعبير عن نفسه من خلال عزف موسيقى الميتال.

انقلبت الحياة بروبن، لكنه بقي محافظاً على توجهاته، مع إظهار جانب طفولي فيه، “لقد أصبحت شخصاً مهماً بالنسبة إلى كثيرين هنا”، هكذا يقول له جو صاحب المؤسسة، عندما كان يعرض عليه أن أن يمكث طوال حياته في مؤسسة الرعاية، وإكمال حياته فيها، وتعليم الأطفال الموسيقى. وكأنه يروضه، ويدفعه لعدم التمرد على حالته. لفترة وجيزة، أصبح روبن مروضاً كالأطفال، والنساء والشيوخ الراضخين في هذه المؤسسة، إلا أنه سرعان ما يعلن التمرد.

إخراج يجمع الصخب والصمت في آن واحد:

على مستوى الإخراج، كانت حركة الكاميرا غير مستقرة، وتوحي بعدم الاستقرار تبعاً لشخصية بطل فيلم Sound Of Metal. كانت تفصل صور الطبيعة الساكنة، مشاهد الصخب الذي يعيشه روبن، والتخبطات النفسية التي يمر بها.

قرر مخرج فيلم صوت الميتال، أن يصحبنا في رحلة داخل حياة الصم، وكيف يسمعون الصمت المدقع، الأقرب إلى السكينة والصخب في نفس الوقت، جمع فيلم صوت الميتال هذين المتناقضين، الذين يشبهان صوت المعادن.

من هنا يأتي الحديث عن الجدلية التي نحن بصدد الحديث عنها في سياق مراجعة فيلم صوت الميتال، أين مكمن السكينة في الحياة، هل بالرضوخ لسلطة الرب أم بالتمرد عليها! بمعنىً أوضح، هل تكمن في موسيقى الميتال الجنونية، أم في مؤسسات الدين على الأرض وحياتها الهادئة؟ يتضح من خلال الفيلم أن قوة الصمت توازي قوة الصخب في هذا الكون.

خليل الحاج علي

صحافي متخصص في الشأن الثقافي، حاصل على دراسات عليا في المسرح والفنون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى