فيلم مرثية هيلبيلي: الفقر والحلم الأميركي

يسير فيلم Hillbilly Elegy، في خطين زمنيين متوازيين، يجسد أحداثاً واقعيةً مر بها الكاتب جي.دي فانس عندما كان طفلاً، مقابل أحداث فترة الشباب التي عاشها، كطالب حقوق في جامعة ييل الأميركية. تقاطعات زمنية، تعكس تأثير الفقر المدقع وسوء النشأة، على الشاب الأميركي الأبيض، الذي حمل الحلم الأميركي على أكتافه، وكان مثالاً للنجاح. فيلم مرثية هيلبيلي يجسد الفقر وتداعياته، كما يعكس الحلم الأميركي بتجلياته، مقتبسٌ عن مذكرات صدرت للكاتب J.D Vance، وحققت نسبة مبيعات كبرى في أميركا، في العام 2016. قام بإخراجه رون .هاوارد، من بطولة إيمي آدمز و غلين غلوس. فيما يلي نقدم .لكم مراجعة فيلم مرثية هيلبيللي
حبكة الفيلم:
تدور الأحداث حول الطفل ج.د فانس، قام بأداء دوره أوون أسزتالوس Owen Asztalos، الذي يحيا وسط صورتين متناقضتين للنساء: والدته بيف Amy Adams، التي تعاني من الإدمان على تناول المخدرات، وتعيش اضطراباً سيكولوجياً واضحاً، يتمثل بتعدد زيجاتها، وينحو باتجاه تعنيف أطفالها، وخسارة وظيفتها وضمانها الاجتماعي في نهاية المطاف، بعد أن عملت كممرضة في إحدى المستشفيات. وجدته مامو Glen Closs، التي تحاول ترميم هيكل العائلة المفككة بشتى الطرق.

تبدأ أحداث الفيلم بالتصاعد الدرامي، مع تلقي ج.د فنس – قام بأداء دوره جابرييل باسو Gabriel Basso، لاتصالٍ من أخته ليندساي، Haley Bennett، تبلغه أن والدته في المستشفى، في حين كان يتحضر لإجراء مقابلة عمل، قد تؤهله للحصول على وظيفة مثالية في المحاماة مستقبلاً. فيضطر للعودة إلى منزله، والاهتمام بمصير أمه التي تلقت جرعةً زائدة من الهيرويين.
في الواقع، يؤكد صاحب القصة الحقيقية J.D. Vance أن الحقيقة لم تكن كذلك، فلم يتلقَ الإتصال من أخته عشية المقابلة. هذا الحدث الدرامي تم اختلاقه لإضافة الدراما، وهو شيئ مشروع. فالأحداث من الممكن معالجتُها درامياً، لتكون على قدر فيلم سينمائي.
إقرأ أيضاً:
رغم محاولات المعالجة الدرامية للقصة الحقيقة، إلا أن الفيلم بقي بسيطاً من الناحية الدرامية. فلم يحمل الكثير من الأفكار الفلسفية أو الجدلية. لكن ما يميزه، هو اللعب على المستوى العاطفي، فالمخرج هاورد يغوص في سبر أغوار الشخصية الإنسانية، لتكون الدراما، مبنية، على صراع الشخصية مع نفسها، وليس على الحبكة. فيقدم الفيلم تساؤلاتٍ، عما يحمله الإنسان في داخله رغم كل هفواته: هل يحمل طيبة أم شراً؟
الأداء التمثيلي في مرثية هيلبيلي:
عادةً ما تنجح السينما الأميركية في “الواقعية”، وهي مدرسة فنية تنقل الواقع وتصوره كما هو، من دون أي مبالغةٍ، ومرثية هييلبيلي ينتمي إلى هذه المدرسة.
في هذا الإطار، شكل فريق الكاستينغ التمثيلي، عنصر قوة في فيلم مرثية هيلبيلي. الشخصيات بمجملها، كانت قريبة من الواقع المعاش، دون إظهار أي مبالغة في التعبير.
لم يكن هناك أي تعقيد في الإخراج، بل تماهت الصورة مع محتوى القصة
أداء إيمي آدمز، لم يكن مبالغاً أو فاجراً أو نافراً، بل سار بحسب ما يقتضيه مسار الشخصية التي تقدمها. جسدت Amy Adams، شخصية جامحة، تواقة للحب، والمرح، وسط حالة اجتماعية صعبة، رسمتها طفولة قاسية من العنف والقهر والفقر.
أما أداء غلين غلوس للشخصية، جاء مشبعاً بخبرة العجوز في الحياة، وطريقة تعاملها مع مشاكلها بقسوة ورقة في الواقت ذاته. Glen Closs التي لم تفز حتى اليوم بأي جائزة أوسكار، لديها قدرات مرنة في التمثيل، ممثلة مطواعة. تقول في مقابلتها مع Close Up: ” تدربت على انحناءة الظهر كالشخصية الحقيقة، وتكبير أنفي، والمشي كخطواتها، قابلت أفراد العائلة الحقيقين، وشاهدت أفلامهم المصورة”. لكن أداءها كان حرفياً متقناً من الخارج المحسوس للشخصية، أكثر من الداخل.
لا بد من الإشارة، إلى أنه يظهر في نهاية الفيلم، شريط لأفراد العائلة الحقيقين. يتضح خلاله مدى التطابق بين طاقم الممثلين وأفراد عائلة J.D. Vance . حتى أن كاتب العمل J.D رافق الممثل Gabriel Basso، في موقع التصوير، وكان ينقل إليه أحاسيسه في تلك اللحظات التي مر بها عندما كان شاباً، مما ساعد الممثل على اتقان الدور. لم يكن الممثل غابرييل باسو سيئاً، بل كان عضوياً: في هدوءه أظهراً جانباً مشرقاً عن الشاب الواعد الذي تحمل وزر العائلة. كانت انفعالاته تسير وفق ما تقتضيه الأحداث.
الإخراج: مشهدية بسيطة
على مستوى الدراماتورجيا. حركة الكاميرا ونقلها للأحداث، تجعلك تخاله فيلماً بسيطاً ذات أحدث مركبة. لكن المشهدية تتماشى فيما بعد، مع محتوى القصة البسيطة والعادية: ألوان التسعينيات في الملابس والطبيعة والبيوت. لإن الفيلم بسيط، لم يكن هناك أي تعقيد في الإخراج، بل تماهت الصورة مع محتوى القصة.
بعد أن كانت السينما الأميركية تحصر صورة الفقر، في الأحياء التي يقطنها ذوو البشرة السمراء، صور الفيلم الفقر وتجلياته، وسط يوميات الطبقة العاملة البيض. أظهر فيلم مرثية هيلبيلي مشاهد الريف المحروم، والفراغ الفكري، والتفكك والتشرذم في المناطق الريفية الجبلية الأميركية، الذي تعيشه بعض العائلات البيض، الذين يبقى الحلم الأميركي بيدهم، وإن أُطلق عليهم لقب هيلبيللي، أي الجماعة ذات الصفات العشوائية والغريبة غير المتحضرة.