سينمامراجعة فيلم

مراجعة فيلم نوماد لاند: الأرض تتحدى الرأسمالية

الرومانسية والشاعرية في مواجهة الرأسمالية. هذا هو الصراع الدرامي في فيلم نوماد لاند 2020، للمخرجة كلوي تشاو، التي تجعل من الأرملة والمعلمة السابقة فيرن فرانسيس ماكدورماندرمزاً للخصوبة، والحب والزهد. عندما نتحدث عن مراجعة فيلم نوماد لاند، علينا القول إنّه يوثّق حياة جماعة من الرَّحل الأميركيين الحقيقيين، الذين يعيشون في مقطورات، يتنقلون فيها في الغرب الأميركي. وفي أعقاب فترة الكساد الإقتصادي الذي شهدته أميركا في العام 2008، تنضم إليهم فيرن، لتبدأ رحلة اكتشاف جديدة لدورة الحياة. فأي صورة ظهر فيها الرَّحالة؟ وهل نجح فيلم نوماد لاند في تمجيد الطبقة العاملة في مواجة الرأسمالية؟

البنية الخارجية لفيلم نوماد لاند:

في إطار مراجعة فيلم نوماد لاند، يمكن القول بأن حياة الترحال، انعكست على حبكته، فأتت بعيدةً عن الحبكة الأرسطية أي: البداية والعقدة والنهاية، وهذا ما يتوافق مع حياتهم على هذه الأرض. الفيلم لم يشهد أحداثاً مكثفة، بل اكتفى بعرض الصراع الداخلي للشخصية، وتداعيات الرأسمالية على حياة جماعة من الناس.

بعد أن تم مسح مدينتها إمباير في ولاية نيفادا، عن الخريطة العالمية، وبعد وفاة زوجها، وانتهاء عملها المؤقت في شركة أمازون الكبرى، تقرر فيرن الانطلاق في رحلة بحثٍ عن شيئ تجهله. تجد بطلة فيلم نوماد لاند، فضاءً آمناً بعيداً عن المدن والمصانع والتلوّث، يقوده بوب ويلز.

يقوم هذا المكان الآمن على التكافل بين أفراده، الذين نبذهم النظام الرأسمالي. يتشاركون عذاباتهم، ذكرياتهم، ومستقبلهم المجهول سوياً في قلب المساحات الطبيعية. “أعتقد أنك أتيت إلى المكان الصحيح، لإنَّ الارتباط بالطبيعة وبمجتمع القبيلة، سيحدث فرقاً لك”. يقول بوب ويلز لـ “فيرن”.

الكادرات التي التقطتها كلوي تشاو، كانت أقرب إلى عدسة الأفلام الوثائقية. اعتمدت مخرجة فيلم نوماد لاند، على رؤيتها في الفن المعاصر لنقل الطبيعة، فلم تصوّر المساحات الطبيعية تصويراً فوتوغرافياً، وإنما أضافت عليها الكثير من الخصوصية الفنية المعاصرة. هذا الكون الكبير، جسدته تشاو بدقة تفاصيله، وألوانه المتنوعة المصبوغة بالأحلام، فبانت الأرض لوحةً تقطع الأنفاس من خلال عدستها.

فرلنسيس ماكدورماند وديفيد ستراثيرن في لقطة من فيلم Nomadland.

في مراجعة فيلم نوماد لاند، لا بد من الإشارة إلى أن المخرجة تشاو نقلت المواجهة بين الطبقة العاملة، والرأسمالية، على المستوى الإخراجي. فطبعت الفيلم بمشاهد متناقضة، لكنها كثفت مشاهد حياة الطبقة العاملة في الطبيعة، وما تعانيه من انعدام أمن على المستوى الصحي والاجتماعي، على حساب نقل الرأسمالية. فغلبت على الفيلم، مشاهد المساحات الطبيعة الخصبة والملهمة، على مشاهد المصانع والمتاجر الكبرى والحياة الإستهلاكية. وغلبت مشاهد حياة الغجر وترحالهم، على مشاهد حياة الإستقرار والرفاهية.

يتبنى فيلم نوماد لاند وجهة نظر الرحّل في العالم الأميركي، ويصور حياتهم بطريقة مثالية. لا مخاطر وجودية تهددهم. يصور الفيلم الرَّحل على أنهم ضحايا النظام الرأسمالي العالمي. والجميع محب، معطاء، ومعذّب. من هنا يأتي السؤال: هل هذه الجماعة مثالية ويحكمها الكمال إلى هذا الحد؟

يمكن القول بأن النزعة الخطابية قد غلبت على الفيلم: وهي أسلوب يعتمد على إظهار حسناتِ فكرةٍ ما، لتغليب العاطفة على العقل.

إذاً، يوجه الفيلم نقداً لاذعاً للرأسمالية، لكن المخرجة، اكتفت بأن تعرض شهادات حية لبعض ضحايا هذا النظام المتوحش، بشكل عرضي، وتصوّر حياتهم في المقطورات، وجلساتهم عند الليل، ليقصوا علينا تجاربهم مع النظام القاسي، الذي سلب منهم حقوقهم. فلم تعط مساحةً توافقية لعرض تداعيات الرأسمالية وخطورتها، بقدر ما أعطت مساحةً لتمجيد حياة الرحل والعودة إلى الأرض.

بالتالي، يمكن القول بأن النزعة الخطابية قد غلبت على الفيلم: وهي أسلوب يعتمد على إظهار حسناتِ فكرةٍ ما، لتغليب العاطفة على العقل. فإذا أرادت المخرجة أن تنقضّ على الرأسمالي، كان عليها أن تظهر تداعياته أكثر، وتخصص له مساحة أوفر.

المتفرج لم يكن أمام صورتين متناقضتين للحياة على المستوى الاجتماعي، وإنما تلقى فقط جانباً واحداً من وجهة النظر. فأفرطت مخرجة فيلم نوماد لاند في نقل صور الطبيعة وحياة قاطنيها، مما جعل الفكرة مكثفة إلى حد المبالغة في التعبير.

أداء فرانسيس ماكدورمند في فيلم نوماد لاند:  

يتكون فريق الكاستينغ، من ممثلين غير محترفين، بإستثناء فرانسيس مكدورماند و ديفيد ستراثيرن. مما خلق هوة في الأداء التمثيلي بينهما والآخرين. كان ذلك واضحاً في الأفعال التمثيلية وردوها، وظهر الفارق الشاسع بين نوعين من الأداء التمثيلي: محترف، وبدائي. فلماذا عمدت المخرجة إلى خوض تجربة مع ممثلين غير محترفين؟ هل لتظهر تعاطفاً معهم؟

على صعيد متصل، ليس مباغتة أن تكون بطلة الفيلم اسمها فيرن «Fern». وهي تعني نبتة السرخس. لدى هذه النبتة، العديد من المميزات التي تتوافق مع الشخصية: نبتة ليس لها أي نفع إقتصادي، ذات قيمة فنية وطبية، وتزيل التلوث من الهواء. بهذا الطرح، يعزز فيلم نومادلاند، مواجهة الرأسمالية، بكثير من الشاعرية. تقص فيرن شعرها بنفسها، تحضر الطعام، تنظر برومانسية حالمة إلى الأرض ومناظرها ومساحاتها الممتدة دون أي حدود، تسبح وحيدةً وعاريةً في الينابيع، تقوم بجولة سياحية على الصخور الصلبة، وتلقى إعجاب  دايف. مما يعطي الشخصية طابع الخصوبة والعطاء.

في نفس الوقت، تتجسد القوة والصلابة، من خلال المعالم القاسية لـ “ماكدورماند”. انفعالاتها، وطريقة مشيتها، يشبهان إلى حد كبير، هذه الأرض القاسية التي تمكث فيها وتتنقل في أرجائها. بدون أي هشاشة أو تكلّف، تظهر فرانسيس ماكدورماند في فيلم نوماد لاند، أداءها أتى حرفياً. ينم عن خبرة كبيرة في التمثيل واللعب بالأدوار.

في نهاية الفيلم، تتركنا المخرجة، دون أي إجابة عما كسبته فيرن من الحياة الجديدة: هل هي راضية عن حياة الترحال هذه؟ هل أشبعت ما في داخلها أم بعد؟ فيلم نوماد لاند، ذات صبغة شاعرية حالمة، يطرح الصراع بين مفهومين متناقضين: الماركسية والرأسمالية، دون التوفيق بين المتناقضاين في الشكل والمضمون. ربما أرادت المخرجة، أن تظهر موقفها إلى جانب الطبقة العاملة، لكن الخطاب أتى مباشراً وواضحاً، لا يحمل التفكيك والتحليل، بالإضافة إلى نقل وثائقي- درامي للأحداث، مما جعل فيلم نوماد لاند مملاً وغير مشوّق.  ف

خليل الحاج علي

صحافي متخصص في الشأن الثقافي، حاصل على دراسات عليا في المسرح والفنون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى