سينمامراجعة فيلم

فيلم Oppenheimer: انفجار عشوائي لكريستوفر نولان

غالباً ما قد تكون حادثة انفجار «هيروشيما» مألوفة عند الفئة الأكبر من الجمهور، فهي الأشهر على مر التاريخ، ولكن قد يجهل البعض القصة وراء هذا الانفجار. وعليه، واستنادًا إلى السيرة الذاتية الأمريكية «بروميثيوس» (كتابة: كاي بيرد ومارتن ج. شيروين. 2005)، يروي فيلم Oppenheimer (2023) حياة «روبرت أوبنهايمر» (أداء: كيليان مورفي.1976)، عالم الفيزياء النظرية، الذي كان له الدور الأكبر والأهم، في تطوير أول الأسلحة النووية كجزء من مشروع «مانهاتن»، الذي أدخل العالم إلى عصر الأسلحة الذرية. في مراجعة فيلم Oppenheimer يمكن القول إنه لا ينتمي إلى أفلام البيوغرافيا- مع أنه تناول جانباً مهماً من حياة العالم «روبرت أوبنهايمر» أشهر عالم قنبلة ذرية، حيث قدم المخرج كريستوفر نولان (1970)، فيلمه هذا تحت تصنيف دراما الحرب، والذي يُعد فيلمه الثاني، بعد فيلم Dunkirk (2017)، مما أفقد الفيلم هويته.

Oppenheimer: سرد متداخل وعشوائي

يدخلنا نولان في حياة أوبنهايمر، للتعرف على دوافع صناعة تلك القنبلة، وعواقب تفجيرها، والمسألة عما إذا كان «روبرت أوبنهايمر» ينتمي إلى الحزب الشيوعي. الفيلم ذات إيقاع سريع، وغير ممل، تحديداً على المستوى البصري، بسبب التصوير المبهر والمونتاج المتقن، ولكن الفيلم سقط في العديد من المشاكل التي أفقدته قيمته الفنية. عشوائية في السرد، وكثرة في التفاصيل والأسماء والأحداث، والنظريات العلمية التي كان الفيلم بغنى عنها، وأحداث وأنشطة سياسية عديدة، بالغ الفيلم في سردها وشرحها، وكان من الممكن الاستغناء عنها، أو توضيحها بشكل أفضل من طرحها بسرعة فائقة.

«نولان» لا يتلاعب، هذه المرة، بالزمن، كما جرت العادة في أفلامه السابقة. ولكن، يتلاعب بسير أحداث القصة، مما أدى إلى التشتت والعشوائية

من العيوب، أيضاً، أن الفيلم يفتقد إلى عنصر مهم من أفلام السيرة الذاتية وهو بناء الشخصية الدرامية، وتقديم الدافع اللازم لما تقوم به كل شخصية على حدى. أغلب الشخصيات قُدمت بطريقة سطحية، دون معرفة الجمهور لدوافعها. قدم مخرج الفيلم، الشخصية الرئيسية «روبرت أوبنهايمر»، بصورة شخص، ذي طابع عسكري، يسعى إلى اكتشاف تلك القنبلة من أجل حماية بلاده، بدون إظهار أي جانب إنساني، أو صراع الشخصية مع نفسها، في رحلة صناعة واكتشاف تلك القنبلة. لذلك أتى سرد الأحداث والحقائق التاريخية بشكل سطحي، بلغة سينمائية بدائية.

مراجعة فيلم Oppenheimer: مشاهد أيقونية، تقنياً وبصرياً

«نولان» لا يتلاعب، هذه المرة، بالزمن، كما جرت العادة في أفلامه السابقة. ولكن، يتلاعب بسير أحداث القصة بسردها على فترات معينة من خلال فصول مختلفة، مما أدى إلى التشتت والعشوائية، وعدم التماهي في بعض الأحيان. التنقل والتناسق ما بين الفصول كان سيئاً ومزعجاً إلى حد ما، نتيجة السرد المفرط في بعض الفصول غير المهمة، مع سيطرة الحوارات الركيكة والخطابات المبتذلة، والسرعة في إنهاء فصول مهمة، مثل فصل حادثة الانفجار والذي مر عليه «نولان» سريعاً، وانتقل بعده إلى المسائلة عما إذا كان بطل الفيلم «يساري متطرف»… عندها وصلت عيوب الفيلم إلى ذروتها. وصولاً إلى النهاية المبتذلة التي فيها بصمة «نولان»  الواضحة، والتي نقلت الفيلم من سيئ إلى أسوء، وفي وقت انتهى هذا النوع من المعالجات السينمائي منذُ عقود.

Oppenheimer | Trailer

على المستوى التقني، جدير بالذكر أن الفيلم تم تصويره بتقنية الـ IMAX. لذلك أتى على مرحلة متقدمة من ناحية التصوير، والمونتاج، وتصميم الصوت، والمؤثرات البصرية، بالإضافة إلى الموسيقى، كلها عوامل ساهمت في إخراج مشاهد أيقونية، من الناحية التقنية والبصرية، كما العادة في معظم أفلام «كريستوفر نولان» حيث يتفوق الجانب التقني.

أما على مستوى الأداء التمثيلي قد يعتبر فيلم Oppenheimer، أفضل أفلام «نولان» من ناحية الأداء من جميع أفراد طاقم التمثيل، بالرغم من ضعف دراسة وبناء الشخصيات، على رأسهم «كيليان مورفي»، «روبرت داوني جونيور»، «مات ديمون»، «بنجامين سافدي» والظهور الشرفي المميز لـ «غاري أولدمان». على الرغم من وجود مساحة كافية لتقديم وبناء هذه الشخصيات، لكن ذلك أتى باهتاً، بسبب سيطرة السرد العشوائي، وفقدان الفيلم لهويته ما بين البيوغرافيا والدراما الحربية.

في مراجعة فيلم Oppenheimer، المعالجة لم تكن واضحة، إذ إن المفاهيم التي يسائل الفيلم عنها فقدت رونقها وضاعت خلال ثلاث ساعات، كان بإمكانها تقديم لنا تحفة فنية، من خلال قصة، قال عنها مخرجها إنها «أهم قصة في تاريخ السينما» في وقت طغت عليها العديد من العيوب، ليكون نولان قد أحدث انفجاراً عشوائياً، بإستعمال قنبلة مازالت قيد التجربة.

إبراهيم الموعد

مخرج سينمائي، وناقد فني، طامح. يبحث في السينما الأوروبية وسينما هوليود المستقلة. يدرس في قسم الإذاعة والتلفزيون، في الجامعة اللبنانية الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى