سينماكلاسيكيات

بعد 20 عاماً على إصداره: ما الذي حمله The Truman Show ليبقى في نفوسنا؟  

منذ أكثر من 100 عام وعالم هوليود يصدر لنا الأفلام على اختلاف أشكالها وتصنيفاتها. تنوعت هذه الأعمال ما بين أفلام تجارية، وأفلام فنية مستقلة، الذي كان كافياً، لكي يستقطب لهوليود جمهوراً من مختلف الأذواق السينمائية، ويجعلها الرقم واحد من ناحية كثافة الإنتاج وتنوعه. في ظل هذه الكثافة الإنتاجية، خرجت لنا بعض الأعمال التي استطاعت الموازنة ما بين التجارة والفن. انطلاقاً من ذلك، وفي مراجعة فيلم The ، Truman Show يمكن القول إنه قد يكون أحد أفضل التجارب الهوليودية من هذه الناحية.

 إنه لا يعرف ذلك، لكن كل شيء في حياة «ترومان بوربانك» (أداء:جيم كاري)، هو جزء من برنامج تلفزيون ضخم. وهو بث مباشر لكل حركة ترومان تم التقاطها بواسطة الكاميرا الخفية، على مدار 24 ساعة. يعتبر «عرض ترومان» أحد كلاسيكيات سينما هوليوود الحديثة، نسبةً إلى قصته المبتكرة وما تحمله من نظريات وتساؤلات، وتأثيره حتى يومنا هذا، إذا إن الفيلم قد صدر قبل أكثر من 20 عام، من يومنا هذا.

بين القمع، والمؤامرة: ترومان لم يخضع لحكم الأنظمة

على مستوى الشكل، ينتمي هذا الفيلم إلى الشكل الهوليودي المعتاد في تلك الفترة (منذ منتصف الثمانينات حتى نهاية التسعينيات)، انطلاقاً من الصورة والألوان، إلى الديكور والأزياء، والأسلوب الفني في طريقة سرد وتناول الأحداث. إلا أن The Truman Show كان مختلفاً عن غيره من الأفلام لناحية الطرح، لأنه يقدم العديد من الأسئلة لدى المشاهد حول نظرية «المؤامرة» و«فلسفة الوجود».

كنظرة أولى على الفيلم، قد يتم تحليله وتفسيره أنطلاقاً من مفهوم «ماذا لو أن الجميع يخدعك!» فهذا المفهوم هو الشكل الظاهر من الفيلم، والأكثر وضوحاً وتدولاً. الفيلم يقوم بتجسيد هذا المفهوم من خلال حصر الشخصية الرئيسية، داخل برنامج تلفزيوني يشاهده الملايين، وأن الجميع متورط في إنتاج هذا العمل، وأن عنصر الاكتشاف لدى الشخصية الرئيسية، كان من خلال عوامل عاطفية خارجية، مبنية على قصة حب خارجة عما هو مدبر.

 «عرض ترومان» هو أشبه بحياة إنسان على كوكب الأرض، يمر فيها بما هو ميسر له، وبما يختار، ولكن كله تحت سيطرة تنظيم قوة أعلى شأنا منه

ولكن كنظرة ثانية، أكثر عمقاً، فيلمنا، هنا، قد يقوم بطرح مفهوم «القمع والخضوع». وكأن حياتنا أصبحت ممنهجة وخاضعة للأنظمة والسلطات. لكن الشخصية هنا قد كسرت القواعد المتحكمة فيها، ورفضت أن تبقى تحت ظل هذا النظام، ضاربة بعرض الحائط، ما قد تلقته من أفكار وقيم على مدار سنوات طويلة، إذا إن «ترومان» تعرض هنا للقمع الفكري والنفسي، من خلال حصر أفكاره وجعله كرجل آلي، ومنعه عن محاولة التغيير والتحرر طوال السنوات التي عاشها داخل البرنامج التليفزيوني. «ترومان» هنا، قد تحرر من هذا النظام، نتيجة تحرّك مكنونات نفسية وإنسانية داخله، بعد أن كان مجرد أداةً لتنفيذ ما يطلبه هذا النظام.

أما كنظرة ثالثة، ربما، يطرح الفيلم العلاقة ما بين الخالق والمخلوق بصفة غير مباشرة. نظراً للمعطيات المطروحة والشكل العام للفيلم، لأن «عرض ترومان» هو أشبه بحياة إنسان على كوكب الأرض، يمر فيها بما هو ميسر له، وبما يختار، ولكن كله تحت سيطرة تنظيم قوة أعلى شأنا منه. ما يعزز ذلك، هي نهاية الفيلم المتمثلة بالرحيل إلى الحياة الثانية. فهل أن «ترومان» كسر كل هذا القواعد والأنظمة؟

أما على مستوى الأداء التمثيلي فيجب هنا الإشارة إلى الأداء الأهم والأفضل في مسيرة «جيم كاري» (1962) الفنية، يقدم لنا «جيم» شخصية قد تكون كثيرة الظهور السينمائي في هوليود وهي شخصية الموظف العادي الذي يعاني من الروتين على المستوى المهني والشخصي، إلا أن ما قدمه «جيم كاري» جعل من هذه الشخصية معقدة، ذات دوافع وأفكار متحررة ومختلفة رافضة لكل هذه الممارسات التي تمارسها الأنظمة السائدة من خلال تجسيد متقن موازن ما بين حدة الدراما والكوميديا السوداء الغير مبتذلة ومباشرة.  وأن عدم ترشحه وفوزه بجائزة الأوسكار في ذلك الوقت واحدة من الجرائم الأوسكار المعتادة.

على صعيد آخر، يبدو سيناريو الفيلم مبتكراً في طريقة تنفيذه، معتمداً على شكل دارمي بعيد عن المبالغة. تتداخل الكوميديا السوداء، غير المألوفة بالنسبة لأفلام «جيم كاري»، مع تجسيدات تمثيلية موفقة من الشخصيات المساندة. أما على المستوى التقني، فلم يحقق الفيلم أي إنجازات كبيرة، لأن كما ذكرنا، الفيلم شبيه بالشكل الهوليودي الكلاسيكي المعتاد في تلك الفترة أن كان على مستوى الإضاءة والألوان، والأزياء وباقي مواد السينوغرافيا.

في نهاية مراجعة فيلم The Truman Show، قد يفتح هذا الفيلم الباب إلى طرح تساؤلات عديدة، تفتح آفاقاً جديدة، في تحليل هذا النوع من المعالجة السينمائية.

إبراهيم الموعد

مخرج سينمائي، وناقد فني، طامح. يبحث في السينما الأوروبية وسينما هوليود المستقلة. يدرس في قسم الإذاعة والتلفزيون، في الجامعة اللبنانية الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى