سينمامراجعة فيلم

لما فاز Everything Everywhere All At Once بجائزة الأوسكار؟

مرَّ أكثر من شهر على فوز فيلم Everything Everywhere All At Once (2022)، بسبعة جوائز «أوسكار»، من خانة الجوائز الكبرى، كان من ضمنها جائزة أفضل فيلم، أفضل إخراج، وأفضل نص أصلي… كما حاز الفيلم على تقييمات مرتفعة على المستوى النقدي والجماهيري. على الرغم من كل هذهِ النجاحات، إلا أن الفيلم يميل إلى النمط التجاري والاستهلاكي، والابتذال الفني، على مستوى الشكل الذي لم يخدم المضمون، الذي يتناول بدوره، موضوعات عديدة، وملحة. في مراجعة فيلم Everything Everywhere All At Once، تنجرف مهاجرة صينية، في منتصف، العمر إلى مغامرة مجنونة تستطيع فيها بمفردها إنقاذ وجودها، من خلال استكشاف أكوان أخرى، والتواصل مع الحياة التي كان من الممكن أن تعيشها.

الفيلم من إنتاج شركة A24، الأمريكية المستقلة، التي استطاعت، في أقل من عشر سنوات، خلق عالم سينمائي خاص فيها. كونت الشركة شعبية وجماهيرية كبيرة، من متذوقي السينما الفنية المستقلة حول العالم. إلا أن هذا الفيلم، تحديداً، لا يشبه عالمها السينمائي، وما يحمله من أسس فنية على مستوى الشكل والمضمون.

إذ إن الفيلم يكاد يكون أشبه بأفلام الأبطال الخارقين، بسبب الإفراط في استعمال الكوميديا الركيكة، و«الأكشن» المبتذل، وسط محاولته طرح نظريات فلسفية وفيزيائية، مما خلق عدم توازن، ما بين الشكل والمضمون. بعكس أفلام كريستوفر نولان، مثلاً، التي تعتمد على الإثارة، مع محاولة طرحها نظريات فيزيائية. إلاّ أن فيلم «كل شيء في كل مكان في الوقت ذاته» هو فيلم ممتع ومسلٍ ومبتكر، بالنسبة إلى البعض. خاصةً أن تصنيفه الكوميدي والحركي، يتم اعتماده على الإبهار البصري، وخلق عوالم موازية، التي قد خدمت القصة بالفعل، ولكنها أتت بهدف المتعة فقط.

Everything Everywhere All At Once: إخراج عشوائي ومنفلت

لا بدَّ من الإشارة إلى أن الفيلم هو من كتابة وإخراج الثنائي الشاب دانيال شاينرت (1987) ودانيال كوان (1987). ويعد هذا الفيلم هو التعاون الثاني بينهما بعد فيلم Swiss Army Man (2016)، وبفوزهما بجائزة أفضل إخراج عن عمر 35 سنة فقط، أصبحا في المرتبة الثانية في خانة أصغر المخرجين فوزاً بالجائزة، خلف داميان شازيل، الفائز بنفس الجائزة في العام 2017 عن فيلم La La Land، عن عمر 32 سنة.

في مراجعة فيلم Everything Everywhere All At Once، يحيلنا الحديث عن الرؤية الإخراجية لشاينرت وكوان. إذ إن رؤيتهما، قد تكون ذات طابع مميز، خاصة في البناء التصاعدي للأحداث، وطريقة السرد التي كانت جيدة في البداية، ولكنها سرعان ما انفلتت إلى العشوائية. وقد يُحسب للفيلم أيضاً، إيقاعه السريع والمتماسك، أحياناً، واللقطات الغريبة والفريدة من ناحية الفكرة والتنفيذ التقني، على مستوى التصوير، والمونتاج، والألوان الفاقعة، التي جعلت المسار العام، متماسكاً على مستوى الشكل، الذي خرج عمّا هو مألوف في جميع أفلام A24، ذات الألوان الباهتة والمائلة للشكل الفني، فكانت هنا مائلة أكثر إلى الشكل الهوليودي الحديث، في لمحاكاة قصص الخيال، مع التأكيد على الإتقان في استعمال المؤثرات البصرية، واعتمادها كأحد أهم العناصر في سير أحداث الفيلم.

على مستوى الأداء التمثيلي فقد شهد الفيلم فوز ثلاثة من ممثليه بجوائز أوسكار، ميشيل يوه (1962) وجائزة أفضل ممثلة بدور رئيسي، جيمي لي كرتيس (1958) كأفضل ممثلة في دور مساعد، و كي هيو كوان (1971)، كأفضل ممثل في دور مساعد. ولو نظرنا عن كثب، إلى منافسيهم، نجد أن المرشحين الآخرين، كانوا يستحقون الجوائز بدلاً عنهم، خاصة مع تقديمهم أدواراً معقدة.

المخرجان شاينرت وكوان، لم يطمحا إلاّ لنيل «الأوسكار»:

قد يكون Everything Everywhere All At Once قليل العيوب التقنية والفنية، في حال صُنف الفيلم على أنه حركي كوميدي، يحاول إدخالنا في عالم سينمائي، بهدف المتعة فقط. وإن وضعنا قصة الفيلم تحت المجهر، سنجد أننا أمام قصة معقدة قد تحمل الكثير من القيم الاجتماعية والإنسانية المرتبطة بالأسرة، والعنصرية التي يواجهها المهاجرون إلى الولايات المتحدة، وإلى رفض الأم لفكرة أن أبنتها مثلية، وصولاً إلى طرح فكرة حقوق المرأة في المجتمع مع تتداخل أفكار كونية، ورمي نظريات فلسفية وفيزيائية من هنا وهناك.

كل هذه القضايا التي يطرحها الفيلم، والتي ندعمها، لم تجعل الفيلم تحفة سينمائية، بسبب ضعف الأداء الدرامي، أولاً. والعشوائية والسرعة غير المبررين، ثانياً. كما أن أكثر ما يثير التساؤلات هو طرح الفيلم فقط، تماشياً مع الأجندة المعلنة من «الأوسكار» للعام 2024، والتي تقضي بترشيح وفوز الأفلام التي تعالج موضوعات المهمشين/ات، كذوي الاحتياجات الخاصة، والمثليين/ات جنسياً، والأشخاص ذي العرق الآسياوي أو الأفريقي. وبذلك يكون الفيلم قد حقق كل معايير، أجندة «الأوسكار».

 في مراجعة فيلم Everything Everywhere All At Once، نؤكد دعمنا، لكل هذه القضايا، لكن السؤال يبقى، هل السينما تحولت إلى أداة، تنفذ ما تحتمه أجندة «الأوسكار»؟ بخدمة الأنظمة السياسية والعالمية؟ يحق  لأكاديمية الفنون والعلوم السينمائية، أن تضع شروطها الخاصة. لكن، هل يحق لأي مخرج/ة، أن يقوم بتنفيذ الأجندة، لنيل ما يريد، أم أن الفن هو حاجة الشعوب، لطرح أي قضية، وبكل حرية، دون أي قيود أو ضوابط. سؤال مشروع، في ظل أزمات كثيرة يعيشها العالم، على مستوى المناخ، والصحة، والحروب، وقمع الحريات، والكوراث الطبيعية، والتطور التكنولوجي، فلما التركيز على قضية دون أخرى؟

إبراهيم الموعد

مخرج سينمائي، وناقد فني، طامح. يبحث في السينما الأوروبية وسينما هوليود المستقلة. يدرس في قسم الإذاعة والتلفزيون، في الجامعة اللبنانية الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى