لوحة «الكورس الشعبي» لعبد الهادي الجزّار: هؤلاء هم رعاياك يا مولاي

لوحة «الكورس الشعبي» أو «الفقر»، أحد أعمال الفنان المصري عبد الهادي الجزّار، الذي يعتبر أحد أهم الفنانين المصريين في فترة ما بعد الحرب العالميّة الثانيّة.
تمثلت أمام الجزّار فصول المأساة، وهو يعيش في حي «السيدة زينب»، في مصر. رأى طوائف الناس في سذاجة بريئة. حيث تتجمع الحشود وهي تمشي في بحر من الغموض، تلفها ثياب من التقاليد البالية والمتناقضات. فلم يقبل الفنان الثائر الشاب، حينها، أن يكون مهادناً في فنّه، في ظل الأوضاع السائدة في ذلك الوقت.
قدّم الجزّار مادته الفنيّة للدفاع عن القضيّة من نفس صور هذه الحياة، وعرضها في بلاغة فنيّة، مستعرضاً ومفسّراً العوامل والبواعث المسببة لها. فأنجز لوحة «الكورس الشعبي»، التي تصوّر ثمانية نساء، وطفلاً، بالملابس الشعبيّة، يقفون صفاً في مواجهة المتلقي. أمامهم على الأرض صحون فارغة، وإبريق ماء.
تم عرض اللوحة، حين أقام أستاذه حسين أحمد أمين، معرضاً نظمته «جماعة الفن المعاصر»، والتي شارك بتأسيسها مع آخرين، وكتب إلى جانب اللوحة جملة «هؤلاء هم رعاياك يا مولاي الشعبي»، مما أدى إلى اعتقاله شهراً هو وأستاذه، وتمت مصادرة اللوحة، وإلغاء المعرض. وبذلك يكون الجزار وأستاذه، أول فنانيين تشكيليين، يُعتقلان، على يدي السلطات الأمنية، بسبب لوحة.
يرى النقّاد أن هذه اللوحة تقابل لوحات مثل «جيرنيکا»، لبيكاسو، و«إعدام الثوار» لغويا، من حيث التكامل الفنّي بين الشكل والمضمون، والأهميّة التاريخيّة والإنسانيّة، والقيمة الفنيّة العالية.
رغم إصرار الفنان المصري على التحرر من الأساليب الغربيّة، ومثابرته على معالجة مواضيع محليّة وتراثيّة، إلّا أن في هذه اللّوحة، وبغض النظر عن إختياره لموضوع إجتماعي وشعبي حسّاس، يصوّر من خلاله حالة الشعب المصري والفقراء في تلك الحقبة، يتضح تأثره بالشخوص التعبيريّة التي صوّرها بيكاسو في مرحلته الزرقاء، وقد يكون متأثراً أيضاً بأسلوب غوغان من ناحية الألوان وتسطيحها، وتحويرالشخوص.