مدونة ماكيت: من هنا نبدأ
أيُ حياة حييناها من قبل؟ من منا يتذكر تفاصيلها الحسية والروحية والمادية؟ من منا يتذكر كيف كانت تمر الأيام بشكلها الروتيني؟ الأكيد أن الحياة في الآونة الأخيرة كانت متعبةً، متخثرةً في عروقنا. اليوم، من منا يمكنه استيعاب حجم المتغييرات التي كست فصول حياتنا الجديدة؟ أيُ عصر دخلنا فيه أصلاً؟ وفي خضم الحياة التي تتبدل فعلاً، لا قولاً، هل بات لزاماً علينا أن نحدث تغييرات على المستوى الفردي، بما أننا عاجزون أبعد من ذلك؟ ولماذا علينا أن نتأقلم مع المتغييرات؟ لماذا لا نصحو، نكمل يومنا بسلام، ثم ننام، ثم نصحو من جديد؟ مدونة ماكيت من هنا نبدأ.
يقال في علم الفلك والنجوم، إن كوكبي زحل والمشتري، دخلا في 21 من ديسمبر من العام 2020، إلى برج الدلو، بعد أن مكث هذان الكوكبان لقرابة مئتي عام في برج الجدي. عندما شهد الكون، منذ حوالي ألف ومئتي عام، هذا التراصف بين زحل والمشتري، ازدهرت الروحانيات وعاد البشر إلى جذورهم، وتم تعبيد طريق الحرير، وفتح عصر جديد، فهل نحن أمام عصر جديد اليوم، قوامه التطور والنفاذ إلى الفضاء؟
تبصر مدونة ماكيت النور، كنجمة زاهية في رحاب الكون، كفعل ميكانيكي على الأرض
دعكم من علم الفلك وحركة النجوم، ماذا عسانا أن نفعل في خضم كل هذا الجنون؟ يذكرني هذا الطرح بشخصية “أستروف” في مسرحية بستان الكرز للكاتب الروسي أنطوان تشيخوف.
قمت بأداء هذا الدور،أيام دراستي للماجستير في المسرح والفنون، في الجامعة اللبنانية. كان أستروف، ينشر بذور الأشجار على أطرف الغابات، يسقيها كل يوم، غير آبه بما ستثمره الأشجار في المستقبل القريب. كان هدفه الأسمى، أن يخلّف شيئاً وراءه. أن تنبت الأشجار زرعها للأجيال القادمة، أن يحافظ على التوازن البيئي، في وقت كان المجتمع عصياً على التغيير.
بيروت: دمار وموت
لا أحد يمكنه تصورُ حجمِ الضغوطات التي نعيشها ولم نزل: «لم أعد أطيق العيش في مدينة بيروت»… ثورة، إنهيارات إقتصادية وتساقط أخلاقي. صار الموت يأتي على شكل شوارع ومقاهي فارغة. يدخل الموت إلى الحانات الليلية ويزيدها مللاً. يدخل الندوات الثقافية عبر تطبيق البث المباشر، والتي لا تلبي تطلعاتنا.
صار الموت يأتي على هيئة جسد راقص على مسارحَ، هجرها الشعب، وبات مكتفياً بمشاهدة ملهاة زعماء السلطة ومناصريهم. وكأننا أمام رؤية إخراجية كلاسيكية قوامها: “المسرح داخل المسرح”، زعماء يمثلون ومناصرون يصفقون، ونحن متفرجون.
“الوجودية لا تمثل مذهباً على النحو الذي عُرفت عليه المذاهب الفلسفية ذات الصفة المغلقة”
جان بول سارتر
في أحلك الظروف والمتغييرات على الصعد كافة، كنت أعمل مذيع أخبارٍ في محطة تابعة لأحد أركان السلطة اللبنانية أيام ثورة تشرين، تصوروا ذلك! كان الوقت يتسابق أمامي، أكتب للجريدة، أعمل في دبلجة الأفلام الوثائقية وأفلام الكرتون، أقوم بورشات عمل في المسرح…
في لحظة ما، عجزت عن فعل كل ذلك. سئم مني الوقت، وسئمت منه. بتنا لا نتطايق أنا وإياه، لم أعد أستطيع المقاومة في سبيل الإستمرار. أغلبنا لم يعد يطيق العيش في مدينة بيروت، كل شيئا بات مملاً ومترنحاً ومتخثراً وثقيلاً كثقل الموت الذي يحاصرنا.
ما العمل؟ هل ننام ثم نصحو، ثم ننام، ثم نكمل نهارنا من جديد؟ تقض مضجعك تلك النزعة الفردية التي تحدث عنها جون بول سارتر، في محاضرته في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1945.
النزعة مصطلح غير المذهب، لإن الوجودية لا تمثل مذهباً على النحو الذي عُرفت عليه المذاهب الفلسفية ذات الصفة المغلقة. بل، كانت الوجودية فعلاً لا قولاً. كانت فعلاً ميكانيكياً جسدياً، يتمثل بالإعتزال عن الأفراد في هذا المجتمع، ليس من منطلق اليأس الخامل، بل ليكون الإنسانُ صانعَ نفسه “سيكون الإنسان ما عزم عليه أن يكون” وفق سارتر.
ماكيت: تعالوا معنا
اليوم، قررت أن أكون ما عزمت عليه. أعود إلى جنوب لبنان، إلى الدار الأول، حيث بنيت مسرحاً من الهواء الطلق في صغري، تحت جذع النخلة وراء بيتنا. أبني اليوم، هذا الفضاء الإلكتروني الرحب في عصر التكنولوجيا، والنفاذ إلى السماوات. من أعلى الفضاء، يبصر ماكيت النور، كنجمة زاهية في رحاب الكون، كفعل ميكانيكي على الأرض.
مدونة ماكيت: فضاء إلكتروني، ثقافي، فني، حر. يهدف لتعزيز الثقافة وإرسائها، ليكون رد فعل بوجه السلطات وسياساتها التي أقصت وأهملت الأطراف والهوامش في منطقتنا العربية.
من شأن مدونة ماكيت، تسليط الضوء على الثقافة والفنون. وأيضاً، فتح آفاق التفكير والحوار حول المسرح، السينما، الأدب، المؤلفات، الموسيقى، الفنون الأخرى، وبعض التجارب الشخصية. علنا بذلك، نفتح مساحة إلكترونية، لنتشارك ونتفاعل.
تعالوا معنا، لنقرأ، نسمع، نحاور، ونغير.