سينمامراجعة فيلم

مراجعة فيلم Tár: عالم باطني منكسر ومتصدع

قد يعتقد البعض، للوهلة الأولى، أن فيلم Tár (2022)، هو فيلم سيرة ذاتية (بيوغرافيا). لكن الفيلم يقوم على قصة متخيلّة. في مراجعة فيلم Tár، يمكن القول إنه نظرة على كواليس تسجيل ليديا تار، (أداء: كيت بلانشيت)، للسمفونية الأهم في حياتها، والتي من شأنها أن ترفع مستواها الفني إلى مرحلة مختلفة، تصل إلى حدّ الإبداع، وما يرافق ذلك من مشاكل وصعوبات كالعزلة والإنكسار، في حياتها الشخصية والمهنية.

تود فيلد وكايت بلانشيت: ثنائية لا تشوبها العيوب

ينطلق الفيلم بمقدمة مثيرة للاهتمام، يقدمها أحد الإعلاميين. يروي فيها مسيرة نجاحات ليديا،  وما حققته من إرث موسيقي وفني. يكاد يكون هذا الحوار، أفضل محطات الفيلم لناحية السيناريو. ممتع، ويميزه الأسلوب الموسيقي. لنكون أمام واحدة من أفضل طرق تقديم الشخصية، في السينما. إذ كان التقديم متميزاً بأسلوب مختلف وسلس، يجعل المشاهد يتعرف عن كثب، على الشخصية، وصفات الغرور، والتسلط، والتملك، فيها.

يعود المخرج الأمريكي تود فيلد (1964)، إلى العمل وراء الكاميرا بعد غياب لمدة ستة عشر عاماً. إذ إن آخر أفلامه، كان Little Children، (2006). هنا يعود تود فيلد بتجسيد لفكرة البقاء والاستمرارية، لأصحاب الثروات، وما يتبعها من سرديات الطمع والأنانية، لدى الشخصيات المسيطرة. كليديا تار، وصراعاتها المهنية، والأسرية، والعاطفية، والذاتية.

بمشاهد صامتة، ترتفع معها درجات الإثارة. يجسد المخرج، الرعب النفسي، والانكسارات، والضعف الذي يغزو تار، في عزلتها. مقابل، المثالية، والقوة، والسيطرة، في حياتها المهنية، تحديداً.

اقرأ/ي أيضاً:

مراجعة فيلم Blonde: نهاية مارلين مونرو على يدي أندرو دومينيك

الشخصية الجادة التي تشوبها الأنانية والطمع الفني. توحي وكأن الفيلم الغزو الفني، لأصحاب الرأسمال.  خاصةً أن الفيلم، أيضاً، يقوم بتقسيم طبقي للأشخاص العاملين في المجال الفني، مما يعطي فرصة لطرح تساؤل عن فكرة التقسيم في المجال الفني، الذي من شأنه أن يكون أكثر العوالم رحباً، وسعةً، وجمالاً.

يتميز الشريط، بأسلوب إخراجي واقعي وتلقائي، وبإيقاع متصاعد، مترافق مع سرعة الأحداث وتطور الشخصيات، والتحولات المفصلية. يعتمد على الحوار ، بشكل أساسي، كأداة مهمة لنقل المشاهد، من فصل إلى فصل، بكل سلاسة.

قد يعيب الفيلم، البناء التصاعدي المتسارع، والذي أتى غير واضح، تماماً، مع نهاية أحداث الفيلم.

في سياق متصل، وضمن مراجعة فيلم Tár، يمكن القول إن كل الشخصيات كانت مؤثرة في سير الأحداث وتطورها، لأن الشخصيات هنا، هي من تصنع الأحداث وليس العكس.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الترابط الدرامي، جعل المشاهد يكسب التعاطف مع الشخصية الرئيسية، رغم غرورها و كل هذا يصب ضمن خانة الأصالة السينمائية، على مستوى الشكل والمضمون، خاصة بما يحمله من إسقاطات على الأنظمة السائدة.

يحمل الفيلم أيضاً فكرة النسوية. على الرغم من أنها لم تكن محور الأحداث، ولم تقدم ضمن خانة «الكليشيهات». بل، تم تقديمها بأسلوب فني عالٍ ورفيع.

كل هذا البناء الدرامي والسردي، تم تتويجه بأداء تمثيلي عالٍ، من الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت (1969)، بتقديمِ تباين واختلاف التعابير، بين الانفعالات الجامحة، والضعف السيكولوجي الباطني. خاصةً أنه تم تقديم لحظات الانفعالات المتفجرة بدون مبالغة أو إفراط في المشاعر.

على الرغم من كل هذه الإنجازات الفنية على مستويات الكتابة، والإخراج، والأداء التمثيلي. قد يعيب الفيلم، البناء التصاعدي المتسارع، والذي أتى غير واضح، تماماً، مع نهاية أحداث الفيلم.

لكن، يبقى أن سياق الحديث حول مراجعة فيلم Tár، قد يحمل الكثير من وجهات النظر المختلفة لدى المشاهد، حول كيفية فهم الفيلم، لأنه يطرح العديد من التساؤلات والأفكار على المستوى الفني والاجتماعي والإنساني، بسبب ما تم تجسيده من فكر رأسمالي فني من خلال حب الأنا، والطمع، والسيطرة الفنية والفكرية. فهل أن حياتنا أصبحت محكومة لهذا النظام الرأسمالي؟ حتى وإن كانت على الصعيد الفني؟

إبراهيم الموعد

مخرج سينمائي، وناقد فني، طامح. يبحث في السينما الأوروبية وسينما هوليود المستقلة. يدرس في قسم الإذاعة والتلفزيون، في الجامعة اللبنانية الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى