سينمامراجعة فيلم

فيلم مأساة ماكبث: كابوس متنام ومفزع

تنبعث تحفة الكاتب الإنكليزي ويليم شكسبير، ماكبث، في فيلم سينمائي من إخراج: جويل كوين ” Joel Coen”، وتمثيل الثنائي: دايزيل واشنطن، وفرانسيس ماكدرومان. في مراجعة فيلم ”  The Tragedy of Macbeth “، أو ” مأساة ماكبث “، يتم سرد النص الأصلي لمسرحية شكسبير، في إخراج سينمائي يحكمه فضاء مسرحي، بالأسود والأبيض، يقرب التخيلات الصورية، للمأساة التراجيدية.

نص ماكبث يُبعث من جديد:

في بقعة يحكمها العنف في اسكتلندا، ويخيم الظلام عليها، تظهر ساحرات ماكبث، على هيئة تستفز وجدان القائد والمحارب المقدام الذي حقق انتصارات مهمة. وتبشرانه بمستقبل دامٍ وعنيفٍ، وعرش مروع. كيف له أن يستغيث، وبمن؟ تظهر الليدي ماكبث، وترسم خطة الإستيلاء على العرش، منطلقة من تعقيداتها وعنفها الباطني. تتجاوز الشرور حدود الزوجين، وتنقلب مأساةً تراجيديةً عيلهما. تلاحقهما الكوابيس، وتدفعهما إلى الهلوسة، والضيق. كلما ازدادت جرائم ماكبث، تزداد معاناته، ويزداد الخيال الرائع بشكل معقد ومبتكر في سياق الفيلم.

بحسب ما يطلعنا الناقد الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا (192- 1994)، في «شكسبير معاصرنا»، للكاتب يان كوت، فإن «التاريخ في ماكبث لزج كالدم ، لا يمكن غسله عن الأيدي، والأوجه، والخناجر. الكل يغوص في مذبحة الدم» . ويضيف: «أي إخراج لمكبث لا يوحي بالعالم غارقاً في طوفان من الدم، هو إخراج كاذب حتماً». بحسب جبرا، ليس في هذه المسرحية إلاَّ ثيمة واحدة وتقسيم واحد: القتل والقتلى، اللذان يذكران بكابوس منتام مفزع.

: تصورات حداثية بصيغة كلاسيكية

من الإبداع الشكسبيري اللامتناهي في تصوير أبطال العنف، إلى إبداع سينمائي حر، أشبه بلوحات تكعبية ربما! كأنك تقرأ النص الأصلي لمسرحية ماكبث، وتنهمر عليك الصور الخيالية. على الأرجح بأن المخرج ”  Joel Coen”، أراد المخرج عدم المساس بالنص وعدم تأويله، واكتفى بسرد التراجيديا في قالب فني، ذات صناعة سينمائية عالية. لقد أُعيد تكييف نص شكسبير على المسارح، وفي الأفلام، مراراً وتكرراً. هذه المرة، نرى النص مقروءاً بلغة سينمائية حريصة على نقل الحبكة الأساسية، وسط صور شاعرية، كلاسيكية، تحكمها الحداثة في الطرح إلى أقصى الحدود. بعبارة أخرى، على الرغم من كلاسيكية الإخراج، إلاَّ أن الغرض من تصوير المسرحية، أتى حديثاً لناحية زمان ومكان العرض. لم يعد هناك من تأويلات. يدعونا المخرج للاستمتاع بالصور الشاعرية في النص، والتمثيل، وتصوير الفضاءات الخاوية والصارخة، التي تزينها الممرات الحجرية الفارغة. قد يكون هذا كفيلاً بجعل الفيلم حداثياً، لإن المتلقي يعيد اكتشاف الغرض أو الهدف الأساسي من المسرحية.

ضمن سياق مراجعة فيلم The Tragedy of Macbeth ، يمكن القول بأن الأجسام كلها في عذاب، لا نجاة منه، حتى الطبيعة ضيقة فيه ومقلقة، ولا نفاذ منها كالكابوس”، كما يذكر جبرا في تحليل يان كوت للنص.

فرانسيس ماكدرومان، التي أيقظت جنون الليدي ماكبث، من جديد، وولعها في السلطة، والتحكم، والتلاعب بالآخرين. أيقظت روح الإبداع التمثيلي من جديد. لا يمكن المرور على تفاصيل الدور بشكل مفصل، لكن ما شاهدناه كان أقرب إلى الإبداع التمثيلي. لقد جسدت ماكدرومان دور الليدي، حاكمة القصر الذي هجرته الإنسانية وحلت مكانه الغربان والساحرات، بشكل منظم، ودقيق.

فيما يخص الأداء التمثيلي لدينزل واشنطن، يمكن القول بأنه لا يقل حرفية عن زوجته ” الليدي ماكبث “. لقد غاص في السلطة وشرورها، والخداع، والإنصياع. كان الموت مصيره، بعد أن تلاشت إنسانيته، وراحت في عوالم المجهول. كان واشنطن حرفياً، في تحركاته، وتنقلاته، وانفعالاته، ومشاعره.

التاريخ في ماكبث لزج كالدم ، لا يمكن غسله عن الأيدي، والأوجه، والخناجر. الكل يغوص في مذبحة الدم

يان كوت

لا يمكننا عدم المرور على الأداء الإبداعي للممثلة الأميركية Kathyn Hunter ، ساحرة ماكبث التي تنبأت بحتمية الصراع السلطوي. لم تعمل على تجسيد اللاوعي الغارق بالجشع وحسب. بل، كانت بمثابة حاكم فعلي للبشر، وقوة خفية تبعث الشر في عوالم تتخطى حدود الزمان والمكان.

في مراجعة فيلم The Tragedy of Macbeth ، يمكن القول بأنَّه من أعظم أفلام شكسبير في هذا القرن. أعاد لنا المخرج إظهار عوالم العنف. يدعونا الفيلم لإعادة التفكير حول قلق النفس البشرية، والسلطة، والتواطئ، والتلاعب، والجنون، والفتور العاطفي، والتلاعب بالآخرين، واللامبالاة بالأخلاق، وكلها صفات تحدد الشخصية المكيافلية، لشخصية ماكبث، الشكسبيرية.  

خليل الحاج علي

صحافي متخصص في الشأن الثقافي، حاصل على دراسات عليا في المسرح والفنون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى