سينمامراجعة فيلم

«The Woman in the Window»: تشويق وحسب

يستحضر المخرج البريطاني جو رايت في اللقطة الأولى من فيلمه الجديد «The Woman in the Window» مشهداً من أفلام المخرج السينمائي ألفريد هيتشكوك. في هذه اللقطة تقوم الطبيبة النفسية «آنا فوكس»، أداء إيمي آدمز، بمشاهدة شريط سينمائي لهيتشكوك، يحاكي نفس قصتها ومما تمر به من اضطربات نفسية. ليغلب على الفيلم مسار سيكولوجي وتشويقي. في إطار مراجعة فيلم «The Woman in the Window» أو «إمرأة في النافذة»، (120.د)، إنتاج «Netflix» ،يمكن القول، بأنه فيلم جريمة وإثارة نفسية، يصحب المشاهد في رحلة بحث عن فك شيفرات الأحداث والشخصيات.

البنية الخارجية لفيلم «The Woman in the Window»:

تقدم إيمي آدمز، شخصية «آنا فوكس» التي تعاني من مرض رُهاب الخلاء «Agoraphobia». يخشى المريض في هذه الحالة الأماكن المفتوحة، وتسبب له حالة هلع وخوف، وشعوراً بإنعدام الحيلة والإحراج. «آنا»، شخصية مضطربة على المستوى النفسي، تعيش عزلة في منزلها الكبير، ذي الألوان الوردية، عكس حياة قاسية شهدتها مؤخراً.

مع مرور الأحداث، يتبين للمشاهد، ما الذي أوصل بطلة الفيلم إلى ما هي عليه. من تناول العقاقير، والمهدئات، والأدوية، والإدمان الكحوليات، وخضوعها لجلسات علاجية في منزلها، بعد أن كان لديها عائلة وتعمل كطبيبة نفسية للأطفال. في مراجعة فيلم «The Woman in the Window» يتبين أن المخرج جو رايت، استخدم التضاد بين عنصرين أساسيين في الصناعة السينمائية: الشكل والمضمون.

على مستوى الشكل مثلاً، أتت السينوغرافيا (أثاث منزلي مريح، إضاءة زهرية، ثياب شتوية دافئة) مريحةً، مقابل أحداث وأفكار تعكس حالة التخبط والمعاناة والخوف الذي تمر به الشخصية البطلة. فبانت السينوغرافيا أشبه بقطع فنية متناثرة في الفيلم، مقابل أحداث صاخبة ودمويّة تجري على مدار أسبوع واحد. مما خفف على المشاهد العبء الثقيل الذي يتضمنه الفيلم. فكان ذلك عنصر قوة في الفيلم.

تتصاعد الأحداث الدرامية مع شروع «آنا»، الشخصية المتخبطة نفسياً، بمراقبة جيرانها الجدد من خلال النافذة، في الشقة المقابلة لها. وبعد تعرفها على جارتها الجديدة «جين راسيل»، أداء جوليان مور، ولقائها معها داخل منزل «آنا فوكس»، تشهد الأخيرة جريمة قتل الجارة الودودة على يد زوجها.

دخل الفيلم في إطار سرد الوقائع، على حساب طرح مفاتيح أساسية، لدوافع الشخصيات، ومسار الحبكة.

تَدخلُ الفوضى في عقل المشاهد بعد استبدال المخرج، الممثلة جوليان مور، بالممثلة جينيفير جايسون. ويدخل في دوامة معقدة من التحليل والتفكير عن مصير جارتها، وعما إذا تم استبدالها من قبل زوجها ليخفي ما ارتكبه، أم أنها شخصية لم تكن موجودة في الأصل، وكانت من نسج الخيال. لكن، هل يدفع مرض رهاب الخلاء إلى تخيل أشخاص وابتداعهم؟ أم أن ما شاهدته كان صحيحاً؟ 

وثّق مخرج فيلم «The Woman in the Window» الأحداث، في كادرات متقنة الى درجة أنك تستطيع تثبيت المشهد، والنظر الى مندرجات الألوان فيه. الشريط السينمائي قوي، مشبع بالألوان والجمالية والإتقان. طبعاً هذا ليس غريباً على مخرج فيلم «The Darkest Hours» جو رايت. لكن، هل أتى فيلمه الجديد على قدر التوقعات؟

النسخة السينمائية لـ «The Woman in the Window»:

توقع النقاد أن تكون النسخة السينمائية لرواية «The Woman in the Window» لإي جي فلين، أفضل بكثير. فلم يثنِّ القارئون على الفيلم بعد مشاهدتهم له. الفيلم يصحبك في رحلة فك الألغاز، ويدخلك في سياق التوتر ومتعة التشويق، فما الذي ينقصه؟

دخل الفيلم في إطار سرد الوقائع، على حساب طرح مفاتيح أساسية، لدوافع الشخصيات، ومسار الحبكة. حتى أن الحوارت أتت مختلفة عن الرواية الأصلية. غفلت السيناريست ترايسي ليتس، عن تقديم المفاتيح الأساسية للرواية. على سبيل المثال، لم يبين الفيلم أن «آنا» علقت في العاصفة الثلجية لمدة أيام، تراقب ابنتها تموت بعد تعرضهم لحادث السير الذي تسببت به هي نفسها.

أما العلاقة بينها وبين ابن الجيران القاصر « إيثين»، أداء فريد هيشينغر، لم تبين مدى التلاعب الذي مارسه، ليجعلها تصدق أنه ضحية عنف أسري، متسللاً ‘لى حياتها من خلال هذا الأمر. مسائل لم تتبين في النسخة السينمائية. إن حالة الضياع، والرعب، لم يكونا مبررين بما فيه الكفاية، لأن الفيلم أخذ الأحداث الكبرى في الرواية، ولم يسلط الضوء على التفاصيل الصغرى التي تبيّن العلاقات بين الشخصيات .الأساسية

جوليان وإيمي: أداء عالي الحرفية

في مراجعة فيلم «The Woman in the Window» يمكن اعتبار ثنائية إيمي آدمز وجوليان مور، العنصر الأقوى في الفيلم. شكلت ثنائيتهما منعطفاً على صعيدين: الأول أنها رسمت حبكة الفيلم وأثقلت عنصر التشويق. والثاني على مستوى الإبداع التمثيلي. ففي مشهدية مزج فيها المخرج كل عناصر الإبداع، كان المشهد بين الشخصيتين مشبعاً بالعواطف، والأفكار، والسرديات، والفكاهة، في قالب تمثيلي احترافي عالي المستوى.  

إيمي آدمز وجوليان مور في لقطة من الفيلم

قدمت إيمي آدمز كعادتها أداءً رائعاً. كاميرا الـ Close Up على تفاصيل وجهها، أدخلت المشاهد في تفاصيل الشخصية السيكولوجية، وما تعانيه من خوف، وقلق، وحيرة، وارتباك، وهلع. في نمط واقعي غير مبالغ فيه.

أما جوليان مور، فقد بدت في هذا الفيلم أكثر جمالاً من ذي قبل، حضورها اللطيف أثرى الفيلم، وزاد من ثقله الفني. فمن المعروف أن حضور الممثل النجم لا يقتصر على قدر مساحة الدور، وإنما على قدر اللعب في الشخصية، وتجسيد تاريخ الشخصية ومعاناتها، وحاضرها.

ضمن مراجعة فيلم «The Woman in the Window» يمكن القول بأن هذا النوع السينمائي (رعب وإثارة وتشويق) لا يحتاج فقط إلى إكمال هذه العناصر فحسب. بل يجب تقديمه في إطار يبعث على التفكير والتحليل أكثر في دوافع الشخصية، من خلال أدق التفاصيل التي غفل عنها الفيلم.

خليل الحاج علي

صحافي متخصص في الشأن الثقافي، حاصل على دراسات عليا في المسرح والفنون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى