مسرحية نارسيس: من ذاكرة المسرح

عين حلزون وبتاتر، قريتان لبنانيتان في الجبل. تقطنهما أغلبية مسيحية ودرزية. في العام 1982، كانت الحرب الأهلية اللبنانيه في أوجها بين الطرفين. وفق العقيدة الدرزية، فإن هدم سقوف المنازل، هو فعلٌ، يُراد منه طمس كل الذاكرة. هدم الدروزُ وقتها، سقوف منازل المسيحيين. عاثت الحرب، وتمزقت أوصال الناس نتيجة التهجير. بعد حوالي خمسة وثلاثين عاماً، يستحضر المخرج المسرحي اللبناني شادي الهبر، هذه الأحداث، في مسرحية نارسيس للكاتب اللبناني ديمتري ملكي، بهدف توثيق الحرب، وما رافقها من أحاسيس وعواطف. تتجرد المسرحية من الطروحات السياسية والحزبية، لتلمس المستوى العاطفي. كما تحث المسرحية على ضرورة تحقيق الصفاء الداخلي بين الناس، كي لا تتكرّر المأساة التي حصلت. مسرحية نارسيس للمخرج شادي الهبر من ذاكرة المسرح اللبناني، نقدمه ضمن مشروع ذاكرة المسرح.
بطاقة تعريفية لمسرحية نارسيس:
إخراج: شادي الهبر.
تمثيل: مايا السبعلي، وليد جابر.
كتابة: ديمتري ملكي
إضاءة:هاغوب ديرغورسيان.
تصوير فوتوغرافي: كريس غفاري.
تاريخ وزمان العروض المسرحية: في مسرح مونو، بيروت، شباط، 2017.
إنتاج: “مسرح شعل بيت”.

دوافع العمل:
عاد مخرج مسرحية نارسيس، إلى ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، وتهجير المسيحيين من المنطقة، وما رافقها من مشاهد حرب ودمار وتهجير.
يستذكر شادي الهبر، قصة وفاة جدته: “أيام الحرب الأهلية، كانت تمر العائلة على أحد حواجز الميليشيات، أرادوا قتل ابنها، فوقفت لتحميه، لم يثنِّ ذلك القناصين. بل أشبعوا رغبتهم بقتلها”.
يستذكر مخرج العمل أيضاً، قصة اقتحام أعضاء من المنظمات الفلسطينية، لمنزله، والدور الذي لعبته أمه، في حماية العائلة، وتصديها بوجههم، لمنعهم من دخول المنزل.

قصتان من الحرب الأهلية، وما رافقهما من ويلات، إضافةً إلى سلسلة حروب في لبنان، وحادثة تهجيرالعائلة من الجبل، دون أن أن يكون باستطاعتهم وقتها، حزم أغراضهم أو صورهم الفوتوغرافية، كانت منطلقاً لمسرحية نارسيس.
لمحة عن مسرحية نارسيس:
تحاكي مسرحية نارسيس للمخرج شادي الهبر، المشاعر والأحاسيس. “نارسيس” هو كل ما يدور داخلنا. هو الكبرياء والأنانية اللذان تولّدهما الحرب. نارسيس هو الكره والحب، المشاعر المتناقضة. هو الشخصية المتأرجحة في ضياعها بين الحرب والموت، بين الماضي والمستقبل، بين النرجسية المفرطة والنرجسية المتخفّية أو المختفية.
وعليه، تطرح مسرحية نارسيس العديد من الأضداد والمتناقضات، التي كانت وليدة الحرب، وضرورة التصالح مع فكرتها، والتخلي عن النرجسية، للارتقاء نحو الصفاء الداخلي.
مسرحية نارسيس من كتابة ديمتري ملكي، أضاف مخرج العمل عليها مونولوغين (نصين مسرحيين)، للتعبير عن تجارب خاصة به. المونولوغ الأول يحكي عن قصة قتل جدته، والمونولوغ الثاني الذي أضافه، يحكي قصة اقتحام الفلسطينيين لمنزلهم، وتصدي الأم لهم.
الحبكة والشخصيات:
تجتمع كلَّ يوم، إمرأة عجوز وولد، على مقعد خشبي قرب البحر، بانتظار أن يُطل نارسيس عليهما، وهو بالحقيقة، شخصية غائبة. ولكنهما، يتوقان إليه، فهو الصورة المثالية التي يبحثان عنها.
يُطل نارسيس في النهاية عليهما، وللمفارقة، يكتشفان أن كل واحد منهما، هو نارسيس ذاته. ترى العجوز نفسها فيه، وكذالك الولد، دون أي تشويه. تعكس هذه الشخصية الآتية من البحر، تناقضاتهما، وشعوريهما، وتداعيات الحرب التي يعيشانها منذ زمن. يغادران في نهاية المسرحية على أمل اللقاء من جديد، وتقول العجوز: “صرلي 15 سنة ناطرة يطل علي، متل ما نطرت الحرب تخلص 15 سنة لأرجع على الجبل”.
الشخصيتان في مسرحية نارسيس تجسدان الفوارق بين الأجيال، والصراع بين عمرين متناقضين، تجمعهعما الحرب وتداعياتها. تم العمل على إدارة ممثل، بحسب مبادئ منير أبو دبس في المسرح. حيث أن الممثل هو الأساس في العمل المسرحي، ومنه ينطلق إعداد الشخصية.
الإخراج والسينوغرافيا:
مسرحية نارسيس تنتمي إلى المسرح العبيثي، بحسب ما يؤكد شادي الهبر. في سينوغرافيا (المؤثرات على المسرح، من سمعية كالموسيقى، أو بصرية كالأزياء أو الديكور) مسرحية نارسيس، يتوسط المسرح مقعدٌ خشبيٌ، يشبه التابوت ومخزن الأسلحة في الوقت ذاته، مما يتيح للمتفرج أن يضع إسقاطاته على هذه الأداة السينوغرافية.

من حيث الأزياء، الممثلة ترتدي الأسود، كونها تتنقل بين الصبية والعجوز، وهو لون طبيعي، لا يحمل أي دلالات للشخصيات على المسرح، إذا ما أراد المخرج ذلك. ترتدي في بعض الأحيان، معطفاً ملوّناً، يجسد ثقافة التنوع التي تحملها الشخصية. للمعطف دلالات أيضاً، يجسّد حالة التهجير في الحرب، والذاكرة الجماعية، التي رافقت اللبنانيين، بحمل ثيابهم على أكتافهم أيام التهجير.
يرتدي الصبي ثياب العسكر، التي رافقت الشباب أيام الحرب، إما في ذهابهم للخدمة العسكرية، أو للمشاركة في الأعمال القتالية في الحرب.
الأبعاد السياسية والفكرية للمسرحية:
كان الهدف من طرح موضوع الحرب، هو كسر التابوهات المتعلقة بالمفاهيم بالحقد والكراهية، لتحقيق التصالح مع النفس، والتخلي عن النرجسية، التي تولدها الحرب.
يؤكد مخرج المسرحية، أنه “لا يجب أن تطوى صفحة الحرب، بل يجب أن نستحضرها. كانت قاسية، ولا يمكننا تخطيها إلا بمحاسبة المسؤلين”. ويتابع: “يجب أن نحكي عن الحرب، ونجسد معاناة الناس خلالها، لا يمكن إكمال سيرورة الحياة دون ذكرها”.
هذه الحرب وتبعاتها، خلقت مسرحية نارسيس لشادي الهبر. كثير من الأحاسيس، تم تجييشها في هذا العرض المسرحي، لتلامس الإنسانية. وتعبر من نفق ظلامية الحروب، إلى بر الصفاء، بعيداً عن النرجسية.
اخترنا لكم…
من نص ديمتري ملكي وعدسة كريس غفاري:

لعبتي كانت شقرا وزغيرة، وكانوا يحسدوني عليها. مع إنه لعباتن كانو كبار، ولابسين فساتين كلها كشاكش. بس ما بعرف ليش الوحدة منا دايماً بتحب لعبة رفيقتها أكتر.

الواحد بالأول بقول مش رح إنسى لو شو ما صار، وبعدين شوي شوي، بتصير كل يوم بتهب عليه مشكلة جديدة، ومع الوقت بينسى.

مرات بقول، يا ريت خطفتني شي نوريّة متل ما كانوا يفزعوني أنا وصغير. وبصير بسأل حالي: ترى وين كنت صرت هلأ؟ شو كنت عم بعمل؟ بس برجع بقول لأ، هون أهدأ وأروق.
تعرّف على شادي الهبر:

ممثل، مخرج ومدرب مسرحي لبناني، ولد في العام 1975، بدأ العمل في المسرح بعد أن تلقى تعليمه في مدرسة المسرح الحديث للمسرحي اللبناني منير أبو دبس. عمل كأستاذ ومدرس لمادتي جغرافيا والتاريخ، قبل أن ينتقل للعمل في المسرح في العام 2000.
شارك في عدد من ورش العمل مع مدرّبين ومخرجين من لبنان والدول العربية والغربية، بدأ مسيرته كمخرج مسرحي في العام 2014.
أخرج مجموعة من المسرحيات، نذكر منها: “مرا لوحدها” “كرسي أو كراسي” “شو الموضوع”… عمل في مجال المسرح التوعوي والتوجيهي أيضاً، في إطار تعاونه مع عدد من المنظمات الاجتماعية التي تُعنى بالمرأة والطفل.
أعدّ شادي الهبر وأخرج عدداً من الأفلام الوثائقية والتوجيهية والأفلام قصيرة الوإعلانات.
في العام 2016، أسسّ “مسرح شغل بيت”، وهو فضاء مسرحي وملتقى للممثلين والمخرجين، لتنفيذ ورش عمل وإنتاج أعمال مسرحية.
مشروع ذاكرة المسرح:
يهدف مشروع ذاكرة المسرح إلى توثيق الأعمال المسرحية في لبنان والعالم العربي، لإعادة إحيائها، وإحياء القيم الفنية والفكرية التي تحملها.