أخبارأخبار الفنون

نيحاتا: ميثيولوجيا المؤنث الإلهي، في تجهيز فني تفاعلي

يستوحي الفنانون المشاركون في التجهيز الصوتي والمرئي التفاعلي «نيحاتا»، (تركيب: كنده حسن)، من صورة «المؤنّث الإلهي»، المتمثلة بعلاقة الإلهتين «أترعتا» وهي إلهة المياه والقدّر والخصوبة التي خُصص معبد نيحاتا لها، و«تيكه»، إلهة الحظّ وضربات القدر العمياء والتعسّفيّة، ليعيدوا خلق الفضاء بصيغة تفاعلية ميكانيكية. لتكون مدينة «نيحا» البقاعية، على موعد مع هذا المشروع الفني التفاعلي، الذي يجمع وسائط متعددة، من إنتاج «يزن»، ويأتي بدعم من «المركز الثقافي الفرنسي»، و «فن وأرض»، وسيكون متاحاً للجمهور، على مدارج «معبد نيحا الروماني».

شارك الفنّانة كنده حسن، في تركيب هذا العمل، وليد عبد النور (فيديو)، ربيع جبيلي (موسيقى)، ليلى حاوي (فيديو ثلاثيّ الأبعاد)، ستوك (تصميم صوت)، هادي شويري (عالم آثار)، نظامًا تنجيميًا، يفتح الأبواب أمام الجمهور للتّفاعل معه. ليضم العرض ، ما يشبه بعرّافة ميكانيكية، يسألها المشاركون، عما يودون معرفته. يرمي السائل بحجر داخل المجسّم، فيأتيه الرد من خلال التّركيب والطّبيعة المحيطة به، يحمله صدى فضاء المعبد، لا يأتي الجواب صريحاً، بل من خلال أشكال صوتيّة مختلفة وإشارات، تترك للسائل هامش التفسير والخيال، ليصبح كلّ متفاعل عنصرًا شاعريًا، يُحيي المكان وبقاياه. 

في القبو، نجد فيديو ينقب في ذاكرة المعبد الذي شيِّد في هذا المكان لوجود نبع مياه، يأخذنا إلى احتمال آخر يفتح لنا آفاق أُخرى، لعلاقة الماء مع المكان، بينما يغمرنا صوتها المختلط بصدى الماضي الذي يحيط بنا أثره. كما يتأثر الفيديو بعلاقة الماء بالنجوم، حيث أن انعكاس الواحد على الآخر، استخدم عند بعض سكان منطقتنا كطريقة لقراءة النجوم.

نيحا: تماهٍ ديني وثقافي مشترك

فيما يخص الموقع الأثري، الذي يقع في منطقة البقاع، تحديداً في المعبد الروماني في نيحا، المشيد على المنحدرات الشرقية لجبل صنّين، هو مثال واضح لحالة تماهٍ دينية وثقافية، مزجت بين التقاليد الغربية والشرقية. هذا التجمّع السكاني الذي أخذ على عاتقه إعمار مجمع ديني ضخم يوازي شدة تعبّده وتقواه. من المياه المقدّسة التي تنبع من جوار المعبد، وتنساب لتروي الأراضي الخصبة لسكّان نيحا، ولد ثالوث محلّي، مكوّن من «حدد» (Hadaranès)، إله البرق والرعد والمطر (المرتبط بزيوس Zeus وجوبيتر الهليوبوليتاني Jupiter Héliopolitain) و«أترعتا» (Atargatis) إلهة المياه والقدّر والخصوبة (الإلهة السوريّة الشهيرةDea Syria  التي تشبه في بعض الأوجه عشتروت الفينيقية وسيّدة بيروت Tyché de Béryte وفينوس Venus والأمازونيات)، بالاضافة الى إله شاب عرف عنه القليل (غالبًا ما يرتبط/ يتشابه مع ديونيسوس  Dionysus أو مركور Mercure الهليوبوليتاني).

خلال أعمال التنقيب، تمّ الكشف عن نقوشٍ تخبرنا أنّه بين القرن الأول والثالث الميلادي، وهي مرحلة بناء وإعادة تخطيط المجمع الديني، كان هنالك ثلاث شخصيّات على الأقلّ كرّست نفسها لعبادة الثالوث النيحاوي:

  • ناركيسوس: ابن كاسيوس، والمرجّح أنه كان يمثّل رئيس الكهنة الراعي للحرم. منحوتة جدارية بالقرب من درج المعبد الكبير تُظهره لنا واقفًا ممسكًا بإكليل نباتي وكأنّه يرشّ المياه المقدّسة بإيماءة طقسيّة نموذجيّة عن ذلك الزّمن.
  • تيبيريس: وهو نحات جدارية ناركيسوس، كان أيضًا ذا صلة بالمعبد، اذ أنه يطلق على نفسه لقب “الكاهن-النحات” وهذا يدل أيضًا على مشاركة سكّان نيحا القديمة في أعمال المعبد.
  • هشماية: وهي النبيّة العذراء التابعة لإلهة المعبد “أترعتا” والإله “حدد”. بحسب الإهداء المنقوش الذي وجِد أثناء التنقيب، عمّرت هشماية مئة عام، كما امتنعت عن تناول الخبز لمدة عشرين عام بأمر من الآلهة ووفاءً لنذرها.

تشير أصول هذه الأسماء الثلاثة إلى تكامل مطلق بين السكّان المحليين والمستوطنين الجدد، وتخبرنا بتفاني وتقوى سكان نيحاتا القديمة تجاه آلهتهم، وهم يبدون على أية حال في حالة تواصل دائمة معهم. جدير بالذكر، أن «نيحاتا»، من إنتاج «يزن»، ويأتي بدعم من «المركز الثقافي الفرنسي»، و «فن وأرض».

«نيحاتا»: في 30 و 31 تموز- يوليو الحالي، عند الساعة الثامنة مساء، نيحا، البقاع، لبنان..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى