
هارولد بنتر (1930- 2008)، كاتب مسرحي بريطاني، كان لأعماله أثر بالغ في القرن العشرين، الذي قلب القارة الأوروبية رأساً على عقب، نتيجة الحربين العالميتين في النصف الأول منه. لم تؤثر كلّ من الحرب العالمية الأولى والثانية، على الأوضاع السياسية، الإقتصادية، والنفسية وحسب. بل، دفعت المفكرين/ات والفنانين/ات، إلى محاربة الأطر الكلاسيكية التي كانت معتمدة في الأعمال الفنية، على مستوى الشكل والمضمون، مع التفكير المستمر بورطة الإنسان بهذا الكون.
كان هارولد بنتر من هؤلاء الكتّاب والمفكرين الذين قدموا مشهدهم المسرحي، بمزيج من الكوميديا السوداء، الصمت المهدد، والتوتر المستمر، محاولاً بذلك تشريح تعقيدات العلاقات الإنسانية وخفاياها العميقة.
مضامين وسمات ميّزت أعمال هارولد بنتر:
كان الفن بالنسبة لهارولد بنتر، بمثابة ثورة إحتجاجية صامتة، على المأساة والإحباط الذي بات يعاني منه الإنسان المعاصر على المستويات كافّة. لقد قام بتقديم أعماله من وجهة نظر نقدية للمجتمع وديناميكيات السلطة.
صوّرت مسرحيات بنتر، عبثية الوجود البشري وانعدام المعنى الحياتي من جهة، والصراع من أجل الهوية والتفكك الإجتماعي، من جهة أخرى. كذلك، حاولت مسرحياته التعمّق في الديناميكيات المعقدة للسطة وتحكمها القهري بالهياكل المجتمعية والعلاقات الشخصية. إذ، درست أعماله شكل القمع والسيطرة التي تنشأ في العلاقات الإنسانية، بمختلف أشكالها، الناتجة عن الأطر المحدودة التي تحوّل الفرد إلى إطارات فارغة وجامدة.
كان للّغة حضورا أساسي، في أعمال هارولد بنتر. إذ، اتخذت شكلاً آخر للتعبير عن عدم القدرة على التواصل بشكل حقيقي وجوهري. استُخدمت اللغة كأداة واضحة للتلاعب، المراوغات، والفراغ، والتي كشفت بدورها فجوات التواصل، والعجز عن التعبير، عن التخبطات الوجودية. بعبارة أخرى، لقد تخللت مسرحيات بنتر الصمت المدقع، للتعبير عن قوة ما لا يمكن قوله.
في المقابل، تكررت المواضيع التي دخلت في جدلية الهوية والإنتماء الفردي. لقد تعمّق في الطبيعة الإنتقائية للذاكرة، وإعادة تشريح الأحداث الماضية، وتأثيرها على إحساس الفرد ونظرته لذاته وكينونته. أمّا فيما يخصّ الأوضاع السياسية، فقد كان بنتر ناقداً للسلطات القمعية والأنظمة الإستبدادية. أدان، وبشدّة، انتهاكات حقوق الإنسان، التي تمارسها الإمبريالية الغربية، بما في ذلك الأنظمة الرأسمالية اليمينية، والشيوعية اليسارية.
بعيداً عن المحاكاة الطبيعية، وتصوير الواقع كما هو. أولى بنتر مسؤولية بالغة للفنان في طرح المضامين الإجتماعية، السياسية، والنفسية التي تدعو المتلقي إلى التفكير في علاقته بكلّ ما يدور حوله. لقد أظهر بنتر قوة الفن في تحدّي الوضع الراهن، وإثارة التفكير النقدي في ذهن المتفرّج.
أبرز أعمال هارولد بنتر المسرحية:
كتب هارولد بنتر أعمالا كثيرة ما زالت تعرض، حتى اليوم. حاكت هذه المسرحيات مفاهيم مجرّدة ومطلقة، وبحثت في التخبطات الحياتية والوجودية للفرد في العصر الحديث.
واحدة من أشهر مسرحياته «حفلة عيد الميلاد»، التي كتبت عام 1957. استكشفت المسرحية موضوعات الهوية والإنتماء والشعور الدائم بالعزلة. حاكت المسرحية التفكك والغربة بين أفراد العائلة الواحدة، مؤكدة بدورها على عجز اللغة في نقل التواصل، وعلى دورها الذي بات أقرب إلى الثرثرة للتعويض عن النقص الداخلي واللاجدوى الإنساني.
ومن أبرز أعماله أيضاً، «العودة للوطن»، التي كتبت عام 1965، تناولت الحديث حول لمّ شمل عائلي. استعرض من خلالها تأثير الأنظمة القمعية والديناميكيات السلطوية، على زيادة مستوى التشتت الفردي. كانت الحوارات فارغة تصوّر التوتر والقلق الإنساني من الماضي، الحاضر، والمستقبل.
كذلك، تعمقت مسرحية «الخيانة» (1978) في شبكة علاقات الحياة الزوجية وتعقيداتها، مجسّدة بذلك سطوة التقاليد الإجتماعية البالية على حياة الفرد، بالإضافة إلى هشاشة العلاقات الإنسانية في ظلّ الأنظمة الإستهلاكية والماديّة.
باختصار، أثار بنتر في مسرحياته دلالاتٍ ومضامينَ واضحةً، حول عبثية الوجود الإنساني في ظلّ التعقيدات السلطوية، وعجز اللغة في التعبير وهشاشة العلاقات الإنسانية، والتضليل في مفهوم القومية والإنتماء. إذ، هدف إلى تحدّي التقاليد والتراكمات الإنسانية، لإلقاء الضوء على الجوانب المظلمة لوضع الإنسان المعاصر.
المصادر والمراجع المعتمدة:
- Interpretation of the Subtext of Harold Pinter’s the Room, A Thematic Study, Mona Hashish, 2015.
- Harold Pinter: A Night out A Study in the Political Connotations And the Abuse of Power, Högskolan Dalarna, 2006.
- Analysis of Harold Pinter’s Plays, Literary Theory and Criticism, 2019.